رئيس التحرير
عصام كامل

محمود السعدني يكتب: الجيزة.. المدينة المظلمة


في مجلة صباح الخير عام 1966 كتب محمود السعدني، مقالًا عن محافظة الجيزة قال فيه:

منذ ثمانية أعوام ولم ترتفع في سمائها مقشة، ولم تدخل حواريها رشاشة، ولم يمتد على ترابها أسفلت، ولم تزرع فيها شجرة، ولم يعلق على نواصيها فانوس يوحد الكريم الذي أضاء الوجود بنور خير البرية.


لقد كانت الجيزة مدينة الشهداء أيام الفتح الإسلامي، وكانت مدينة العشاق أيام الحكم الفاطمي، وكانت مدينة العلم في بداية القرن، وكانت نظيفة ولطيفة حتى نزل عليها التتار ـــ مجلس مدينة الجيزة ــ فإذا بالمدينة المضيئة تصبح مظلمة، وإذا بالشوارع تصبح مترّبة، وإذا بالأرصفة تتآكل، وإذا بالفوانيس تختفي بقدرة قادر، وإذا بالكناسين فص ملح وداب، وإذا بالرشاشة تصبح كالعملة الصعبة ممنوع تداولها في شوارع الجيزة.

وأنا أتكلم عن الجيزة الجوانية.. جيزة شارع سعد زغلول وشارع الصناديلي وشارع أحمد ماهر، وشارع الفاتح وميدان الشرفا وحارة رابعة وساحل الغلال الذي تحول إلى ساحل للزبالة.

ولكن.. لقد آن للجيزة الآن أن تتبغدد وأن تتجدد.. فقد جاء إليها حسين الألفي رئيسًا لمجلس المدينة، وأنا أعرف حسين وأعلمه وأتشرف.. وهو من هذا الطراز من الرجال الذي ليس من هواياته اقتناء الفيلل ولا ناطحات السحاب، وبينه بين ورق البنكنوت حب مفقود.

وهو من النوع الذي لا يمد يده إلا ليقدم للناس خدمة، أو ليمنع ظلمًا صارخًا يوشك أن يقع على أدمغة الناس، وأنا واثق أنه سيحمل بنفسه مقشة ليكنس المكاتب من الأرزقية، وسيرفع عصاه ليهوي بها على أدمغة الرقعاء والمرتشين والدلاديل والذين استمروا الوسية المفتوحة على البحري في مدينة الجيزة.. وسيرفع مصباحًا في يده ليكشف مجاهل الجمعيات الخيرية ومتاهات الساحة الشعبية.

وأنا واثق أن حسين الألفي سيحقق كل شيء.. رغم أنه رجل واحد؛ لكنه رجل بألف رجل.
الجريدة الرسمية