رئيس التحرير
عصام كامل

شعب لا يستحق الرحمة !


وقع ما كنت أخشاه عندما تظن الحكومة أن شعب مصر شعب غني، وتفسر بعض التصرفات والمواقف الإيجابية للمواطنين تفسيرا خاطئا، وهنا تتخذ قراراتها من وقع هذا التصور، فتأتي قرارات من قبيل القرارين الأسودين برفع الدعم وتعويم الجنيه، وما يستتبع ذلك من رفع الأسعار بصورة جنونية دون أن تهتم الحكومة بشيء، فالشعب غني ولن يتأثر، وإن اشتكى فما ذلك سوى من قبيل "فراغة العين"، ومحاولة التأثير فى الحكومة الرشيدة ليزداد غنى، وها هو طارق عامر، محافظ البنك المركزي، خلال مشاركته بجلسات الحوار الشهري الأول "للشباب" يوم السبت 10 ديسمبر الجاري يثبت ذلك التصور، عندما وجه حديثه لوزير المالية قائلا: "حضرتك اللي فقير.. الشعب معاه فلوس في البيوت.. الشعب خرج 65 مليار جنيه".


طبعًا سعادته يقصد أموال تمويل قناة السويس الجديدة التي كانت بفائدة 12.5%، وهذا التصور الذي يعتقده طارق عامر هو التصور نفسه الذي اعتقده يوسف بطرس غالي، وزير المالية أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأدى في النهاية إلى تدهور الحالة الاقتصادية مما أسهم في خروجه للثورة في 25 يناير 2011 ضد النظام بسبب ضيق الأحوال.

وبذلك التصور الذي يتصوره طارق عامر نستطيع أن نكتشف كثيرا من الأسئلة التي كانت غامضة علينا لوقت طويل، منها لماذا لم تقم الحكومة بترشيد نفقاتها إلى الآن؟ ولماذا لم تتخذ الحكومة قرارها بإنهاء عقود جيوش المستشارين التي تكلف الدولة أكثر من 45 مليار جنيه سنويا دون فائدة تذكر سوى مجاملة هؤلاء المستشارين على حساب الشعب المصري؟ ولماذا لم تبادر الحكومة في ترشيد الإنفاق على مجالات البذخ المختلفة مثل أساطيل السيارات الحكومية ومكيفات المكاتب والمكافآت والبدلات غير المقنعة وطبيعة العمل والجلسات.. إلخ ؟

ولماذا لم تعلن الحكومة عن تخفيض التمثيل الدبلوماسي في الخارج إلى النصف مثلا مما كان سيوفر على مصر مليارات الجنيهات؟ ولماذا لم تقم الحكومة بحل بعض الأزمات بنفسها مثل أزمة السكر وغيره من السلع بأن تقوم هي باقتراض ملايين الدولارات من البنوك المكتظة بها ثم تشتري بعض هذه السلع وتبيعها للمواطنين بأسعار مناسبة تحل الأزمة وتكسب الحكومة المال كذلك؟

ولماذا لم تتدخل الحكومة بجدية في تعيين رقابة على الأسواق توقف الجشعين من التجار؟ ولماذا تراجعت الحكومة عن قرارها بتحديد هامش ربح ؟ ولماذا لم تقم الدولة بدورها في إنشاء المصانع المختلفة لتوقف غول الاستيراد الذي يستنزف العملة الأجنبية، خاصة أن لدينا المقومات المختلفة فالمال تكتظ به البنوك والأرض الشاسعة التي ستقام عليها المصانع موجودة والأيدي العاملة متوفرة.. إذا أين المشكلة؟

بالطبع الإجابة عن كل هذه الأسئلة وغيرها يكمن في أن الحكومة تظن أن الشعب غنيا ولا يحتاج لكل هذه الأمور فلماذا تتعب نفسها من أجل شعب غني؟ ولماذا تحاول أن تخفف عنه لهيب الأسعار أو تحميه من الغلاء أو توفر له السلع وهو شعب من الأثرياء يستطيع أن يتصرف؟ 

يا سيادة محافظ البنك المركزى: إن نظرتك غير موضوعية وإن كنت تظن أن الشعب غنيا لأنه أخرج 65 مليار من الجنيهات من أجل المساهمة في مشروع وطني دعا إليه الرئيس السيسي ووضع ثقته في ذلك الشعب، فلك أن تعلم أن هذا المبلغ عبارة عن قوت معظم الشعب البسيط الذي أخرج ما عنده استجابة لدعوة الرئيس، وطلبا لفائدة تعينه على الحياة ثم بعد أن أخرج ما يملك ومعظمها في حدود 10 آلاف جنيه، وبعض السيدات باعت ما تتحلى به من ذهب للمساهمة في ذلك المشروع ثم ترك الشعب أمره لله بعد ذلك وللحكومة التي ستصرف أمره، وتعينه على حالته، فإذا بها تنقلب عليه وتجعل من جميله وإخراجه نقوده من أجل مشروع قومي نقمة عليه تحاسبه عليها وتحيل حياته لجحيم بسببها.

يا سيد "عامر": أنا أعلم جيد أنك من أسرة عريقة ثرية، ولن تعرف أبدا نوعية الأسر المصرية التي تعاني شظف العيش والتي لا تكاد تجد قوت يومها، وإن كنت تريد أن تتعرف على بعض من هذه الأسر فأهلا بك في منطقة الشرابية، حيث أشرف برئاسة مجلس إدارة جمعية خيرية، أقسم لك أجد حالات تبكي الإنسان من شدة فقرها ومرضها وعوزها، وهذه الأسر كثيرة لدرجة أننا لا نستطيع أبدا أن نسد بعضًا من احتياجاتها جميعا، وهذا نموذج صغير في منطقة صغيرة من مصر فما بالك بمصر كلها.

يا سيد طارق عامر: أرجو ألا تعمم حكمك وتقول إن الشعب المصري غني، فالشعب المصري ليس كله من طبقتك أو مثل زوجتك صاحبة الوديعة الضخمة التي صارت تدر عليها الأموال بعد قرارك الصعب بتعويم الجنيه وإغراق الفقراء.
الجريدة الرسمية