حلب - أورليان الشرق
كانت معركة مدينة أورليان (1428-1429) نقطة تحــول كبيرة في حرب المائة عام بين فرنسا وإنجلترا، لما كانت تتمتع بها هذا المدينة من أهمية استراتيجية كبيرة لكل من فرنسا وإنجلترا.. وقد حققت فرنسا أول انتصار كبير لها بعد الهزيمة الساحقة عام 1415.. ومدينة حلب السورية تتمتع بمثل هذه الأهمية سواء من الناحية الجيوسياسية من منظور ضيق أو من الناحية الجيوستراتيجية بصفة عامة.. فحلب -البوابة الشمالية- الشرقية لسوريا ومصر على مر التاريخ، المدينة الثالثة من حيث الأهمية بعد القاهرة وإسطنبول أيام الدولة العثمانية، العاصمة الاقتصادية لسوريا.
وهذه الأهمية تزداد بشكل كبير نظرا لوجود أطراف صراع متشابكة لدول إقليمية ودولية، فكما يقول المحلل السياسي الروسي فلاديمير لبيخين بأن من الممكن أن يتغير الوضع الجيوسياسي في المنطقة والعالم أجمع إذا حسمت معركة حلب لأى طرف من أطراف الصراع في سوريا.. وبعد سيطرة القوات الشرعية السورية على نحو 93 % من حلب بمساعدة جوية روسية سيتغير وجه الصراع في سوريا بشكل عام.
إلا أنه كما أعلن الرئيس السورى بشار الأسد أن السيطرة على حلب لن تكون نهاية للحرب في سوريا، إلا أنه سيكون خطوة كبيرة نحو النهاية.. وهذا الإعلان صادر عن رجل واقعي يعلم الوضع على الأرض جيدًا، فبرغم وجود مساعدة لا متناهية من الجانب الروسي والإيراني للجيش السورى فإن وجود أطراف صراع متوحشة جاهزة لفعل أي شيء لإنقاذ حلفائهم من الإرهابيين الموجودين في حلب وسوريا في العام يجعل الحرب ستستمر لبعض الوقت، خصوصًا مع التفعيل الدائم لاستراتيجية داعش وجيش الفتح (جبهة النصرة سابقا) القائمة على الكر والفر وعدم الدفاع المستميت عن المدن، فنراهم يهربون من "تدمر" في مارس الماضي ويتوجهون إلى الرقة ودير الزور، ونراهم يهربوا من الموصل ويتوجهون إلى الرقة في العراق، وأخيرًا يحاولون الدخول مرة أخرى إلى مدينة تدمر التاريخية، وذلك لتشتيت القوات الحكومية وللوصول لهدفهم الأهم وهو مجرد الوجود على المسرح، وطبعًا استعدادهم للتخلي عن سياسة السيطرة على المدن إلى سياسة الحرب المتحركة (حرب العصابات).
ونجد حرب من جانب آخر عندما تقوم الولايات المتحدة بشن ضربات على مدينة حلب تستهدف المدارس والمستشفيات لمحاولة لصق تهمة بالقوات الجوية الروسية، وعندما تقوم إسرائيل بضرب لأهداف عسكرية حكومية سورية مرتين خلال 10 أيام، وعندما تقوم قنوات الجزيرة، سكاى نيوز، والعربية بعمل منابر إعلامية لقادة الجماعات الإرهابية، وعندما تلعب هذه القنوات بجانب صفحات فيس بوك على وتر (حلب تحترق) (انقذوا حلب) لمحاولة تهييج الرأى العام العربي ضد روسيا وسوريا.. وجعل الوطن العربي الذي يكتوى يوميًا بالجرائم الإرهابية بالتعاطف مع هؤلاء الإرهابيين باستخدام الصور المروعة للضحايا سواء كانت هذه الصور حقيقية أو مفبركة، كما عودتنا هذه القنوات الفضائية وهذه الصفحات على مواقع السوشيال ميديا.
وبالرغم من أن نفس الضحايا المدنيين يموتون يوميًا سواء على يد السعودية في اليمن أو في العراق على يد قوات الولايات المتحدة، فإننا لا نعير لهم أي اهتمام.
إن تحرير حلب ومن بعدها محافظة إدلب أمر غاية في الأهمية لسوريا وأمر غاية في الصعوبة في نفس الوقت، لذلك يجب على كل الأمم التي تكتوي بشكل فعلي من الإرهابيين أن تتكاتف سويا للقضاء على هذا الخطر، ومصر ليست بعيدة عن هذا الخطر، لذلك يجب عليها أن تقوم بخطوات ملموسة لمساعدة سوريا، وذلك ليس جديدًا فالتاريخ شاهد على تعاون "مصري-سوري" لصد أخطار المغول، الصليبيين، والإسرائيليين.. والخطر الإرهابي لا يقل عن هذه الأخطار.