رئيس التحرير
عصام كامل

التقصير واضح والانشغال بالصغائر شائع


من حق الرئيس السيسي أن يدافع عن "الداخلية ومسئولي الأمن" بتأكيده "عدم وجود خلل أمني أدى إلى تفجير الكنيسة البطرسية"، خصوصا أن الأجهزة الأمنية أوقفت سريعا غالبية المشاركين في المذبحة النكراء وجار البحث عن بقية البؤرة الإرهابية.


لكن من حقنا كشعب عانى الأمرين من أساليب "الداخلية" والأجهزة الأمنية التابعة لها، أن نؤكد بدورنا على أن التقصير الأمني واضح تماما، وإلا كيف يدخل إرهابي بحزام ناسف إلى الكنيسة ويفجر نفسه وسط المصلين دون أن يعترضه الأمن، حتى لو كان مسرعا؟!. ويثبت الغياب الأمني أيضا الفيديوهات التي عرضتها برامج التليفزيون، فضلا عن أن واحدة من الناجيات ذكرت أنها رأت الإرهابي قبل التفجير، فأين كان عناصر الشرطة والأمن؟!.. أليس هذا تقصيرا يستوجب المحاسبة ؟!

فداحة مذبحة الكنيسة البطرسية يوم الأحد جعلت كل الأجهزة الأمنية تتحرك لضبط الجناة بسرعة، لكنها مع هذا لم تضبط مرتكبي جريمة تفجير كمين مسجد الهرم يوم الجمعة رغم تبنى تنظيم «حسم» الإرهابي العملية، كما فشلت قبلها في ضبط الجناة في كثير من الجرائم الإرهابية، أليس هذا خللا يجب محاسبة القيادات الأمنية عليه؟!

أعقب جريمة تفجير الكنيسة عشرات التقارير الإعلامية العربية والعالمية تحمل الكثير من الرؤى المتباينة، لكني توقفت عند بعض ما ورد في الإعلام المصري، لأنه يلقي بظلاله على أداء الشرطة وأجهزة وزارة الداخلية، فمثلا استضاف أحد البرامج محامية مفجر الكنيسة فقالت: "إن الصور التي تم نشرها ليست له وأنها دافعت عنه في قضية إحراز ذخيرة والتظاهر مع جماعة إرهابية حتى تم إخلاء سبيله".. وبرنامج آخر عرض تسجيلا صوتيا لوالدة المتهم أكدت كلام المحامية، وأن "الصور المنشورة ليست له وأنهم "طاردينه" من سنة وهو ليس في مصر"، وطلبت رؤية جثته حتى تتأكد أنه ابنها، وفي البرنامج نفسه ذكرت شقيقة مفجر الكنيسة: "دي مش صورته.. دي صورة مفبركة.. أخويا حي يرزق في السودان وهو دائم الاتصال بالأسرة من لما هرب من بطش قوات الأمن"!!.

هذه التصريحات من شأنها إحداث بلبلة كبيرة في الشارع، وكان حري بوزارة الداخلية أن ترد عليها وتفندها، خصوصا أنها تشكك في كل ما أعلنته أجهزة الأمن.. كما لابد من سؤال الداخلية "إذا متهم مثل هذا ضبط متلبسا وثبتت إدانته كيف يغيب عن أنظاركم ومتابعتكم بعد إخلاء سبيله لأي سبب كان؟! وأين كانت أجهزتكم وهو يتم إعداده وتأهيله التكفيري بين القاهرة وسيناء والسودان، حتى فجر نفسه وسط المصلين في الكنيسة؟!".

وبعيدا عن مفجر الكنيسة، توالت البلاغات ضد المحامية التي تولت الدفاع عنه سابقا، باعتبارها "أحد المتدربين في الخارج والممولين من جهات أجنبية للدفاع عمن يتم القبض عليه في قضايا الإرهاب ولها اتجاهات ضد الدولة، وعضو ناشط مع عدد من المحامين والحقوقيين الذين اعتادوا تشويه صورة الدولة في الداخل والخارج".. كما نشر أحد نواب البرلمان صورا للمحامية نفسها وهي "تتدرب على استخدام السلاح في إيران".. وأيضا نسأل أجهزة الأمن إذا كل هذه المعلومات عن المحامية معروفة ومثبتة بالأدلة، لماذا تركتها وزارة الداخلية تفعل ما تشاء ولم تفكر في منعها من السفر وهو أبسط إجراء؟!.. أليس هذا تقصيرا أمنيا؟!.

أما بيان وزارة الداخلية الذي حدد بتفاصيل دقيقة مهام كل فرد من المعتقلين بدء من "كبيرهم الهارب" الذي تجول بحرية بين قطر وسيناء والقاهرة وتلقى دورات لتصنيع المتفجرات واستخدام السلاح وتأهيل الإرهابيين، وتأتيه تعليمات مباشرة من قيادات التنظيم لتنفيذ عمليات تبث الرعب وتزعزع الأمن وتنشر الفوضى.. ثم بقية أعضاء الخلية الذين يمارسون نشاطهم الإرهابي دون مساءلة أو مراقبة، فإذا كانت أجهزة الأمن تعرف ذلك وتركتهم فهذه مصيبة، وإذا كانت لا تعرف عنهم شيئا إلا بعد حدوث مذبحة الكنيسة فالمصيبة أعظم!!

خصوصا أن الشرطة انشغلت في الآونة الأخيرة بصغائر الأمور وبدأت تلاحق مراهقين يتشاجرون في الشارع وتحاسبهم على "بوستات فيس بوك"، وتعتقل "شبابا يافعا" لمجرد أن "مصدرا مجهولا" يشك في أن لديهم نشاطا مشبوها، تودعهم السجن دون ذنب أو جرم بانتظار إثبات أن لا علاقة لهم بأي تهمة رغم أن بينهم أناس تواجدوا بالصدفة في المكان، أما المجرمين الحقيقيين فتغض "الداخلية" النظر عنهم حتى تحدث المصيبة !.

الجريدة الرسمية