الثقافة الشعبية القبطية والشخصية المصرية
بينما ألقى الحزن بظلاله على جميع المصريين عقب الحادث الإرهابي الذي هز مصر، وانشغلت التغطية الإعلامية في مصر بتغطية حادث تفجير الكنيسة القبطية البطرسية، الذي ما زال يمثل صدمة للمصريين، اختارت صحيفة الجارديان البريطانية أن تذكر العالم بمتانة الثقافة القبطية في مصر.
المقال الذي كتبه الصحفي جونثان جونز بعنوان "رغم التهديد من الإرهاب، الثقافة القبطية تظل قوية وخالدة" تحدث عن دور الفن القبطي في حماية الثقافة والهوية المصرية، المقال تناول الفن القبطي في مصر والرسوم القبطية وخصائصها، المقال الذي ناقش بشكل متخصص دور الفن القبطي في حفظ الهوية المصرية ذكرني بالدور الذي تلعبه الثقافة الشعبية القبطية في حياتنا وفي الشخصية المصرية بشكل عام، وهي ثقافة كما عبر عنها الباحث أشرف أيوب معوض في مجلة الثقافة الجديدة "لا تعني ثقافة دينية أو ثقافة مسيحية بل هي ثقافة شعبية لكل المصريين، وجزء مهم من تاريخهم وحياتهم اليومية".
من بين الأمثلة على الثقافة الشعبية القبطية في مصر، استخدام الفلاحين للتقويم القبطي في مواعيد الزراعة والحصاد والدورة الزراعية، وكذلك الأمثال الشعبية، مثل "طوبة تخلي الصبية كركوبة"، والاسم طوبة والفعل أمشير"، و"برمهات اطلع الغيط وهات".
من بين الأمثلة الرائعة التي ذكرها الباحث أشرف أيوب معوض عن مدى تغلغل الثقافة الشعبية القبطية في الحياة اليومية للمصريين، الألفاظ القبطية التي نستخدمها بشكل شبه يومي، مثل "كاني وماني" ومعناها سمن وعسل، وغير ذلك من الألفاظ، مثل أوطه وطماطم، بهارات، بلاش، رغي، لعل الكثير من المصريين لا يعرفون أن قول "يا فتاح يا عليم" هو قول شعبي قبطي، كما أن بعض العادات التي ما زال الكثير من المصريين يمارسونها هي عادات قبطية، ومن بينها "ليلة الحناء".
التلاحم بين المسلمين والمسيحين ومشاركتهم في الأعياد ليس وليد العصر الحديث، ولا صنيعة التقريب بين المسلمين والمسيحيين بل هو قديم بشهادة شيخ المؤريخين المصريين "أحمد بن على المقريزي "المعروف باسم" تقي الدين المقريزي "الذي ولد في عام 1364 ميلاديا، وتوفى في القرن الخامس عشر، وتحديدًا في عام 1442.
حيث كتب المقريزي في وصفه لعيد الغطاس في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" قائلًا:
"كان القبط يخرجون من الكنيسة في مواكب رائعة ويذهبون إلى النيل حيث يسهر المسلمون معهم على ضفاف نهرهم الخالد، وفى ليلتى الغطاس والميلاد كانوا يسهرون حتى الفجر وكان شاطئ النيل يسطع بآلاف الشموع الجميلة والمشاعل المزخرفة، وفى هذه الليلة كان الخلفاء يوزعون النارنج والليمون والقصب وسمك البورى".
قليل هم من يعرفون أن الثقافة الشعبية القبطية هي جزء من وجدان المصريين وحياتهم اليومية، بل إن البعض من هؤلاء الذين يحبون إطلاق لقب أقباط على المسيحيين، لا يعرفون أن القبطية ليست دينًا وأن مصطلح الأقباط يعني المصريين جميعًا، وأنها النطق العربي لكلمة GYPT، وهي مشتقة من اليونانية، وترجع أصلها إلى كلمة فرعونية هي HAKAPTAH، وتعني "بيت روح الإله بتاح" المعروف قديمًا "بإله الخلق".
سعى مرتكبو حادث تفجير الكنيسة البطرسية إلى ذرع الفتنة بين المصريين، ولأن الله رد غدرهم، فقد ذكرونا بما يجب علينا أن نفعله، وهو أن نقسم بالله العظيم- كما أقسم الصحفي اللبناني جبران تويني الذي اغتالته أيادي الغدر والإرهاب بعد أن طالب جميع اللبنانيين أن يقسموا معه -مسلمين ومسيحيين- بأن نبقى موحدين إلى أبد الآبدين.. يجب أن يبقى المصريون موحدين –مسلمين ومسيحيين– وعلى الجميع أن يبحث في كيفية تفكيك الفكر المتطرف ومواجهته بإجراءات تعكس عمق الشخصية المصرية.
هذا المقال دعوة لجميع المصريين أن يحيوا عيد الميلاد على ضفاف النيل بآلاف الشموع الجميلة حتى الفجر حتى يعرف المتطرفون والإرهابيون أنهم لا يجهلون الدين وحسب، بل يجهلون التاريخ والجغرافيا أيضًا.