«قرف» من الإعلام عند الكنيسة !

مذيعة النهار ريهام سعيد ليست المعنية بالأساس.. الإعلام كله معنى.. الفضائيات كلها مقصودة.. المعنى أن هناك عضبا شعبيًا شديدًا على الإعلام وعلى كثير من الإعلاميين.

المشاهد أمام الكنيسة المرقسية كانت ترجمة "لقرف" شعبى من إخواننا مقدمي برامج الفضائيات على وجه العموم. الغضب أمام الكنيسة في العباسية أمس كان موجهًا لجميع وسـائل الإعلام والإعلاميين دون تمييز.. وبصرف النظر عن الأسماء.

أكيد هناك أسباب لهذا الغضب.. بالتأكيد هناك دوافع.. البحث في الدوافع أولى.. التنقيب في أسباب الغضب الشعبى من الإعلام مهم.

لن تجدى توصيف حالات الاعتداءات على أحمد موسى أمام الكاتدرائية.. لن تفيد تداول طريقة وتفاصيل خروجه من بين المتظاهرين وصولا لسيارته استدرارًا للتعاطف معه، أو نكاية فيه.

ليس مفيدا تمادى البعض في وصف تلك الوقائع بالبلطجة. ليس مفيدا على الإطلاق، ولا مقبول، محاسبة ذوى قتلى ومصابون على لحظة غضب، أو على ردود أفعال في ساعات رهيبة ممتدة من الألم والإجهاد الذهنى، مع كثير من مشاعر "الغبن" بصرف النظر عن صحتها من عدمه.

لكن لماذا فقد كثيرون الثقة في الإعلام ؟
الأسباب كثيرة، ربما أولها أن أغلب وسائل الإعلام تحولت لبؤر مصالح، بينما تحولت أخرى لنقاط حصينة لتهييج الشارع، و"حرق البلد".. لم يعد أغلب الإعلاميين يمثلون الشارع، ولا رجل الشارع، ولا أفكار رجل الشارع.

كثير من أهل الإعلام لم يعودوا يمثلون إلا أنفسهم.. يكفى أن سخونة الأحداث لم تمنع وائل الإبراشى من تجهيز وإذاعة حلقة بين مسيحيى ومسلم تبادلوا فيها النقاش الساخن من زوايا "إحنا وأنتم"، بينما دماء شهداء الكنيسة البطرسية على الأرض "لسه مانشفتش".

كثير من الإعلاميين كانوا السبب فيما وصلنا إليه من حالات اضطراب اجتماعى وسياسي ودينى أيضا. كثيرون منهم حاولوا التربح من ركوب موجات سارية أملا في مصلحة، ورغبة في مكاسب شخصية. أضروا كثيرا، واستفادوا كثيرا.. وجاء وقت الحساب الشعبى و"القرف".

الذي حدث أن الشارع عرف الحقائق، وقاس تبعات رسائل إعلامية فاسدة طوال سنوات مضت على الأرض. كان لابد أن يرتد غضب الشارع على أي مما يمثل الإعلام في نظره. كان من البديهى أن يظهر الغضب عاصفا في لحظات لابد فيها من غضب.

لا يمكن في تلك الظروف الوقوف في صف الإعلام ضد أهالي شهداء قنبلة انفجرت في مصلين بكنيسة فخلفت قتلى ومصابين، ونشرت أجساد أطفال ونساء.. ورجال كبار سن على أرض الهيكل ودكك الصلاة.

أما لماذا يشعر الأقباط بالغبن ؟
فالأسباب أيضًا كثيرة، وتفاصيلها أكثر، بينما الحكومة نايمة.. ودن من طين وأخرى من عجين. كم الغضب الذي ظهر أمام الكاتدرائية لابد أن يؤخذ على محمل الخطورة. لا يجب وصفه بأنه غضب أقباط، مفترض وصفه بغضب قطاع ليس هينا من المصريين لديهم مشاعر سلبية شديدة من أجواء محيطة.

افتح أي كتاب مدرسى لطلبة الابتدائى، ستجد مليون إشارة لتمييز دينى، ومليون مواراة، لتحيز طائفى إسلامى. بوادر التطرف موجود في كتب التربية الإسلامية بالابتدائى، وكتب الدين بالمرحلة الإعدادية. من أول الدين عند الله الإسلام، وانتهاء بخروج التلاميذ المسيحيين إلى حوش المدرسة مع دخول مدرس الدين الإسلامي الفصل.

أحاديث الشيخ الشعراوى، المعاداة على شاشات التليفزيون فيها ما لا يجب إذاعته عن الأقباط، وحول الأقباط، وعقائد الأقباط. خطب الجمعة، في آلاف المساجد تتداول كل أسبوع الأسس الطائفية، ونظرات مريبة في غير المسلمين.

مليون مسجد وزاوية تبنى دون تصاريح، وبلا روتين الموافقات المحلية في آلاف القرى، وملايين الأحياء السكنية، مقابل قانون بناء كنائس لم يفعل للآن.. ووسط توترات غير مبررة مع أي شائعة عن مبنى كنسى في القرى والنجوع، في أرياف وجه بحرى أو قبلى. جلسات الصلح العرفية لا تزال قائمة في أي عركة، أو أي واقعة اعتداء على أقباط، مفترض أن يتم التعامل معها بالقانون، لا بارتداء مدير الأمن جلابية والجلوس إلى المتخاصمين.

بالتأكيد هذه ليست سياسة دولة. مؤكدا أنها ليست سياسة ممنهجة. لا يستطيع أحد القول إن الدولة المصرية تميز ضد الأقباط، لصالح غيرهم. التاريخ المصرى خالٍ من وقائع التمييز الممهنجة ضد غير المسلمين، لكن الذي يحدث ممكن توصيفه بغياب كامل للوعى الاجتماعى بتداعيات أمور حاصلة، وغير مقصودة، على مشاعر شركاء في الوطن.

مشاعر كثيرة ممكن استخلاصها من الاعتداء على الإعلاميين عند الكنيسة المرقسية. بدلا من كيل الاتهامات للمتجمهرين، لابد من إعادة النظر في سياسات كثيرة أججت تلك المشاعر.

لو كان هناك من تاجر بقضايا المصريين على شاشات الفضائيات، فهناك من أضر بمفهوم المواطنة، في الشارع وفى المدرسة ومن على منابر المساجد، دون وعى.. ثم أدهشته النتائج.
غريبة.
wtoughan@hotmail.com
twitter: @wtoughan