رئيس التحرير
عصام كامل

طبقتان.. حاكم ومحكوم


كنت أعتقد أن المجتمع يقسم فى ثلاث طبقات، عليا ووسطى وعاملة، هذا ما تعلمت فى الكتب، وتركت المدرسة، إلا أننى وجدت أن هناك طبقتين من حاكم ومحكوم، وقنعت لنفسى بمرتبة بين المرتبتين.


فى بريطانيا على امتداد الأسبوع هذا شغلت الصحافة باستطلاع أجرته هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" عبر موقعها على الإنترنت، وشارك فيه 160 ألف مواطن، وانتهى إلى تقسيم جديد لطبقات المجتمع وضعه أكاديميون خلصوا إلى الاستنتاج أن المجتمع البريطانى يقوم على سبع طبقات.

كيف؟ هناك أولا النخبة، أو الأعلى اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، وثانيا الطبقة الوسطى التقليدية، وهى الثانية ثراء فى المجتمع، وثالثا الطبقة الوسطى التقنية، وهى طبقة جديدة دخلها مرتفع، ورابعا طبقة العمال الميسورين وهى طبقة جديدة أيضا ذات اهتمامات ثقافية ودخل متوسط جيد، وخامسا الطبقة العاملة التقليدية وهذه دخلها منخفض وكذلك ثقافتها إلا أن وضعها مضمون، وسادسا طبقة عمال الخدمات الصاعدة وهذه دخلها غير مضمون إلا أن لها طموحات اجتماعية وثقافية، وسابعا وأخيرا البروليتاريا المتخلفة التى تعانى تراجعا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

التفاصيل كثيرة، والدخل السنوى يعكس انقساما كبيرا فى المجتمع بين حوالى مئة ألف جنيه فى السنة للنخبة و3253 جنيها للبروليتاريا.

أقول «حط فى الخرج» فالتقسيم الجديد يعكس تفكير أكاديميين صفتهم الغالبة أنهم يقيمون فى أبراج عاجية ولا يعرفون المجتمع.

فى بريطانيا، حيث أُقيم، ربما قسمت المجتمع إلى طبقتين: وسطى تدفع الضرائب، ودنيا تعيش على الضمانات الاجتماعية من الضرائب التى يدفعها الذين يعملون مثلى، وقد تزامن صدور التقسيم الجديد لطبقات المجتمع مع محاكمة رجل مجبول بالجريمة والحقارة فقد أنجب 17 طفلا من خمس زوجات وعشيقات لم يعملوا يوما، وعاشوا جميعا على الضمانات الاجتماعية، ثم دبر حريقا ليحصل على تعويضات أو سكن أفضل، فقتل ستة صغار، وصدر هذا الأسبوع حكم عليه بالسجن المؤبد، ما يعنى أنه قد يخرج من السجن بعد 15 سنة.

لمثل هذا المجرم وُجد حبل المشنقة، غير أننى فى بلد يمنع حكم الإعدام، فأعود إلى طبقات المجتمع وأُصر على أنها «فوق وتحت» كما فى برنامج تلفزيونى بريطانى مشهور يعود إلى السبعينات عن أسرة تعيش «فوق»، والخدم الذين يعيشون «تحت».

وكانت "بى بى سى" أعادت إحياء المسلسل فى هذا العقد إلا أنه لم يصمد سوى موسمين ثم أُلغى؛ لأن مسلسلات عصرية كانت أكثر شعبية بين المتفرجين.

قرأت كل ما نشر فى الميديا عن الطبقات السبع الجديدة ولم أقتنع، فتجربتى تقول إن المجتمع فى الدول الغربية المتقدمة ينقسم فى طبقات ثلاثة معروفة، وفى العالم الثالث بين السلطة والذين تتسلط عليهم، أو حرامية وشعوب، فالثورات العربية لم تفرز حرية وعدالة ومساواة، وإنما تغييرا فى الأسماء، فهناك حكام جدد وحرامية جدد والشعب نفسه المغلوب على أمره.

نظل أفضل من الأميركيين، فالدستور الأميركى الذى صدر سنة 1776 قال فى فقرته الأولى: كل الرجال (وأعتقد أن المقصود بالكلمة الناس لا الرجال تمييزا لهم عن النساء) خلقوا متساوين، والله أعطاهم حقوقا ثابتة بينها الحياة والحرية وطلب السعادة.

هذا جميل لولا أن كاتب الدستور توماس جفرسون وكثيرين من سياسيى تلك الأيام كانوا يملكون عبيدا، والرق استمر فى الولايات المتحدة حتى الحرب الأهلية بين 1861 و1865، وصدور «إعلان العتق».

اليوم لم يبق هناك عبيد، وإنما بقيت أغلال من الفقر والمرض والجهل هى الرق باسم آخر، وأخونا غسان شربل كان عنوان مقاله أمس «الذى تعرفه مات»، أعرف أنه مات وأتوكأ على المثال الشعبى: «عزى مع المعزين ولا تسأل الميت مين».

khazen@alhayat.com
الجريدة الرسمية