شروط العودة للاندماج
إذا كان ينسب إلى سيد قطب أنه هو المؤسس للعنف بما وضع من فكر؛ كالحاكمية، وجاهلية المجتمعات (حتى الإسلامية منها)، والعنف المؤجل، إلا أن "البنا" هو من وضع بذرته.. فعندما سئل الرجل عن مرحلة "التنفيذ" (بعد مرحلتى التعريف والتكوين)، فأجاب بأنه يستند إلى القوة، التي عرفها بأنها "قوة العقيدة والإيمان"، و"قوة الوحدة والارتباط"، و"قوة الساعد والسلاح" حينما لا يجدى غيرها.. وأعتقد أن العبارة الأخيرة هي ما يرتكز إليه الإخوان الآن، خاصة هؤلاء الذين شكلوا "لجانًا نوعية" وقاموا بأعمال عنف وتخريب وتدمير واغتيالات..
وقد تناولت في كثير من المقالات أفكار الرجل، وانتهيت إلى أنه اجتهد وفق معطيات زمانه، فأصاب في قضايا، وأخطأ في قضايا، وعلى الباحثين المنصفين أن يقوموا فكره وأعماله وأن يبينوا أوجه الصواب والخطأ فيهما.. من المؤكد أن هذا النهج لن يرضى فريقين، الإخوان من ناحية، وخصومهم من ناحية ثانية.. ثمة فريق ثالث ربما يكون مقتنعًا، لكنى أحسب أنه سيكون أقل الفريقين انتشارًا.. الفريق الأول يضفى على البنا هالة من القداسة، ولا يتصور لحظة أن الرجل قد أخطا، وهذا -لعمرى- نوع من الشطط والخروج على القواعد والأصول.. والفريق الثانى يقف موقفًا معاديًا من الرجل على طول الخط، ويعتبره أصل كل المشكلات، وتذهب المعاداة إلى اتهام الرجل بالعمالة والخيانة..
أن البنا لم يكن نبيا مرسلا، ولا ملكا مقربا، بل هو شخص لا يختلف عن غيره من القادة، له إيجابيته وسلبياته.. ولا أنكر أنه كان له تأثيره المذهل في أتباعه، وذلك لما كان يتمتع به من خصائص وسمات؛ فالرجل لم يكن ينم أكثر من ساعتين أو ثلاث في اليوم والليلة، مع ذلك كان يتمتع بذهن صاف وتركيز هائل طول اليوم.. ولم يكن في حياته شغل سوى الدعوة إلى الإسلام.. كما كانت له ذاكرة قوية حافظة، فهو يعرف الإخوان فردًا فردًا، على الرغم من تنائى الزمان والمكان.. كما كانت له خبرة عالية بطبائع النفوس وما يصلحها، وكان في تعامله مع الإخوان أشبه بالصوفى الكبير الحارث المحاسبى (رحمه الله) مع أتباعه..
وقد وصفه المستشرق الأمريكى الجنسية روبير جاكسون الذي التقاه عامى ١٩٤٦ و١٩٤٩ بالرجل القرآنى.. إن مشكلة الإخوان الحقيقية تكمن في أنهم يتصورون أنهم فوق المجتمع؛ ثقافة وأخلاقًا وسلوكًا، وليسوا جزءًا منه يجرى عليهم ما يجرى عليه، لذلك فهم لا يتعلمون.. لا أتصور أن الإخوان يمكن أن يعودوا إلى الاندماج داخل المجتمع المصرى في المستقبل القريب.. فهناك أفكار ورؤى مغلوطة لابد لها من تصحيح، وأفهام لا تتسق وطبيعة الإسلام الوسطى المعتدل تحتاج هي الأخرى إلى معالجة، علاوة على ممارسات وقعت سوف يقول القضاء المصرى فيها كلمته، ومن ثم فالأمر سوف يتطلب وقتًا، قد يطول أو يقصر..
لا بد أن تعترف الجماعة بأن ما حدث كان ثورة وليس انقلابًا، وأن تتوقف تمامًا عن أعمال العنف، وأن تقر بخارطة الطريق، وأن تمتنع عن تحريض أي جهة (خارجية أو داخلية) ضد مؤسسات الدولة.. ويبقى بعد هذا كله، أن الجماعة -حال السماح لها بالعودة- لن تكون بالشكل الذي كانت عليه، إذ لا بد من الفصل الواضح بين «الدعوي والسياسي»، وأن يتم هذا أو ذاك وفقًا للدستور والقانون..