الرد على فتوى الشيخ الدكتور أحمد كريمة
كنت ضيفا على إحدى البرامج التليفزيونية وكان موضوع الحلقة حول أسباب مشكلة تجارة الأعضاء في مصر، والتي لدى قناعة تامة أن أهم أسبابها هو سد الطريق الصحيح للحصول على الأعضاء البشرية، بسبب مشكلات من بعض الآراء الفقهية المتشددة في مصر في هذا الموضوع بالذات.
تم دعوة الشيخ الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر لمداخلة ليقول رأيه في الموضوع، ومما أستغربه- في مصر بالذات- أن بعض الشيوخ لا يقولون أنا رأيى كذا في هذا الموضوع، وإنما يدعون أن هذا رأى الإسلام! وأعلم تماما أن الإسلام دين يسر وصالح لكل زمان ومكان وأن فهم وتفسير آيات الله وما ورد في الحديث الصحيح يبنى على مقدار علم البشر والذي قد يتغير بتغير مدى هذا العلم.
وأعلم جيدا أن فقهاء الإسلام الكبار كانوا يخشون الفتوى أيما خشية، وكانوا حريصين على إظهار إنها فهمهم الشخصى، وأن كلام كل إنسان يحتمل الصواب والخطأ، ولا يلزم إلا صاحبه وربما جمع قول الإمام مالك بن أنس رحمه الله "كل كلام يؤخذ منه ويترك إلا كلام صاحب هذا المقام (وهو يشير إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم)" إلا أن الوضع الآن غير ذلك.
قال الشيخ كريمة إن ما ادعى أنه رأى الإسلام هو تحريم التبرع بأى عضو أو جزء من جسم الإنسان سواء من الأحياء أو الأموات.
كنت مذهولا وأنا أسمع كلماته تنطلق كطلقات رصاص تسقط من أمامها حتى لو كان مريضا عاجزا وقد دنا الموت منه إلا من أمل خافت باستبدال أعضائه الحيوية التي توقفت عن العمل بأخرى. وفكرت لو أن أحدا صدق هذا الكلام الذي يبرره بأن الحياة هي حياة كل خلية من الجسم وصدقنا أن الإسلام حرم نقل الدم مثلا لإنقاذ حياة جريح ينزف فالدم أحد أعضاء جسم الإنسان وإذا اختلف البعض على ذلك وادعوا أن العضو لا يكون سائلا فلا يستطيع أحد أن ينكر أنه حى يحتوى ملايين من خلايا الدم البيضاء الحية وكرات الدم الحمراء والصفائح... حقيقة أننى أعتقد أنه لا يعرف أنه برأيه هذا يقتل الجرحى والمرضى ويسوق لدين قاس لا يمكن أن يكون الدين الذي خاطب الله رسوله بقوله "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
سمعته يقول إن الفقهاء قد عرفوا الموت بأنه مرافقة الروح للجسد لكن بالنسبة له أن موت المخ ليس موتا وكأنه يعرف ما هي الروح وكيف ومتى تفارق الجسم عند الموت وعلل رأيه فتبرير غريب لا علاقة له بالموضوع قائلا: إنه إذا قتل شخص مريض مات مخه فإنه يوقع عليه القصاص لأنه قتل حيا وليس ميتا.. أي أنه فسر رأيه في إنكار موت من مات مخه بما يفتى به نتيجة هذا الإنكار وليس بتوضيح أسباب هذا الإنكار!
والحقيقة أن علماء الطب في كل العالم وعلماء الفقه والشريعة في كل العالم عدا بعض الآراء المتشددة في مصر قد فهموا أن الروح سر من أسرار الله لا نعرف كيف أو أين هي ومتى وكيف تغادر الجسد وربما لن نعرف أبدا فكان تركيزهم على فهم نتائج مفارقتها للجسد وعرفوه بأنه استحالة عودة الوعى والإدراك للإنسان وهو مالا يحدث إلا عند الموت التام لجميع خلايا المخ.
أما خلايا الجسم الأخرى فموتها أو حياتها لا يؤثر على حياة الإنسان فقد تموت ويظل واعيا مدركا عاقلا وقد يموت الإنسان وتظل خلاياه حية وإلى الأبد حيث يمكن حفط الخلايا مجمدة إلى الأبد وتعود لنشاطها بمجرد تدفئتها وهذه ليست حياة لإنسان وإلا كان البشر جميعا مخلدين.
ثم انتقل إلى تحريم التبرع بأعضاء من توفى مبررا كلامه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "كسر عظم الميت ككسره حيا" وهو فهم غريب لقول الرسول الكريم الذي يقصد به تجنب الإهمال في معاملة الميت والتعامل مع الجسد بعناية ورفق حتى بعد الموت لأن في النهاية فإن الجسد تأكله الدود فهل يمكن أن نفهم أن أكل الدود لجسد الميت كأكله لجسد الشخص حيا؟!
ثم قال إن موت المخ ليس موتا وهنا أرى أنه بدأ في أن يفتى بما ليس له به علم وهو الطب..
فالموت ليس شأنا شرعيا وإنما هو شأن طبى بحت والمنوط بالمحافظة على حياة الإنسان وتقرير حدوث الموت هو الطبيب وليس رجل الدين. ثم حاول تعضيد رأيه بالقول بأنه من مدرسة الشيخ الشعراوى رحمه الله والإمام الأكبر السابق الشيخ جاد الحق على جاد الحق التي تحرم نقل الأعضاء وأنا أعلم من شهود ثقات أن الشيخ الشعراوى قد غير رأيه قبل وفاته وأحل نقل الأعضاء للضرورة ودفع الضرر الأكبر وهو الموت.. وأما الشيخ جاد الحق فعالم كبير اجتهد وأخطأ وكل ابن آدم خطاء.
واستمر الشيخ في التبرير لرأيه الغريب بالقول إن دفع المفاسد أولى من جلب المصالح في قلب واضح للأمور فالمرضى يموتون والأحياء يخطفون ويقتلون ويغرر بهم ليقطع من أجسادهم في مصر دونا عن باقى دول العالم لعدم وجود أعضاء بشرية من متوفين أي مفاسد أكثر من تلك.. وما هي المصلحة التي ينشدها باستمرار موت عشرات الآلاف من المرضى سنويا في مصر كان يمكن إنقاذ حياتهم بنقل أعضاء بشرية لهم ومنع ذلك مثل هذه اللآراء المتشددة؟
إن بذل الجهد للحفاظ على حياة الإنسان لا يعنى استبقاء خلايا جسمه حية لأطول وقت ممكن رغم تأكيد العلماء باستحالة عودة الوعى والإدراك.
إن تغيير الخطاب الدينى في مصر يعنى مواجهة المتشددين والذين يفتون بغير علم وإنما بناءً على فهم شخصى ضيق يسيئون به لدين سمح كريم لم يجعله الله الا رحمة بالإنسان والادعاء بأن هناك نصوصا شرعية تؤدى إلى قتل المرضى والأحياء.