قانون اضرب المربوط يخاف القابض
من الواضح كالشمس في كبد النهار وليس في قولون النهار، أن الحكومة تعاطَت مع قانون الجمعيات الأهلية الجديد على خلفية النظرية المصرية الخالدة "من اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي".. وذلك بعد أن انكشفت قلة الأصل إبان ثورة يناير وتبين للقاصي والداني أن الأمريكان انتقلوا من مرحلة رعاة البقر، إلى مرحلة رعاة منظمات المجتمع المدني، وحرَّكَتْهُم كالعرائس لتأجيج نيران الفوضى.
أنا لا أفتري فتلك معلومات مرصودة وموثقة بمعرفة كل الأجهزة المصرية المعنية، وموجودة في الحفظ والصون بملفات القضية 250 المعروفة.
ربما لهذا السبب وحده، حرص القانون على تضييق الخناق على منظمات المجتمع المدني بوسائل رقابية مشددة لا تروق لمن أدمَن قفش الدولار واليورو.. في ظَنِّي أن النظام وضع عنوانا للقانون لا يخلو من مبدأ "اضرب المربوط يخاف القابض".
من حين لآخر نكتشف جمعيات كانت "لابدَة في الذرة" من باب "داري على سَبُّوبتَك تعيش".. وهناك جمعيات بمسميات ولافتات غريبة وعجيبة، لا تعرف منها سوى معلِّم واحد فقط، ولا تدري إن كان ميلادها على أساس قانوني أم على أساس "ماحدِّش عارف حاجة".. آخر جمعية سمعت عنها اسمها الحق في الحياة والحق مش عليك الحق عليَّا أنا، وكان الأوْلَى قبل الحق في الحياة، أن ننشر جمعيات الحق في "بيت راحة" أو"محل أدب" وهي مسميات أراها مهذبة وبها بعض الشياكة المستمدة من تراثنا اللغوي، فهي أحسن ذوقا من الحق في الكابينيه، وأفضل من البديل الثاني المرادف لبيت الراحة ألا وهو الكنيف.. ولمن لا يعرف فإن بيت الراحة ليس كيانا للثقافة الجماهيرية مثل بيت ثقافة المرج، وإنما هو نفسه الكابينيه أعزكم الله.
ربما يظن البعض أنني أهزل.. كلا والله.. ذلك أن من معايير قياس تحضر الشعوب هو مدى امتداد مظلة المراحيض في كل ربوع الوطن، ولك أن تتصور قطاعًا هائلا من ريفنا المصري بلا مراحيض بالمنازل، ناهيك عن الحرمان التاريخي من شبكات الصرف الصحي.. نحن بحاجة شديدة لجمعيات الحق في الكابينيه، تحت شعار شطاف لكل مواطن.
عندما تسلل الوهن إلى دولة مبارك في بدايات الألفية الثالثة، تسللت مراكز الدراسات وجمعيات المجتمع المدني وانتشرت كما تتوالد الأرانب، وبدا واضحًا أنها تعمل وفق منظومة مخططة بدقة شديدة، تؤكدها حماية معلنة من الغرب، بل أذكر أن تقسيمها كان نوعيا.. بمعنى أن ترتبط الجمعيات المعنية بالثقافة والتعليم بفرنسا، وجمعيات البيئة والتنمية البشرية بدول بالاتحاد الأوروبي، أما الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والنسوان فمفتاحها مع العم سام.
وقتها وأقسم بالله اتصل بي رجل خريج معهد خدمة اجتماعية، وقال إنه يشكل جمعية للتنمية البشرية، والتمويل جاهز، ثم أطلعني على أوراق التأسيس، وقال إنه اختارني لأن فيها لقمة عيش حلوة، وسوف ينصبني رئيسا لتحرير صحيفة الجمعية.. ثم اجتمعنا أنا وهو وشخص ثالث دبلوم صنايع قسم سباكة معادن لاختيار اسم للجمعية.. اقترحت اسم جمعية خدمة المجتمع، لكنه رفض وقال أين التنمية في الاسم؟ فقلت جمعية تنمية المجتمع، قال وأين البشرية؟ فقلت جمعية تنمية المجتمع البشري.. فقال لا.. الاسم جاهز جمعية "قمة الاهتمام بالبشرية المصرية".. المهم إنني ابتعدت، وبعد سنوات كان الرجل يمتلك مكتبًا لتأجير السيارات اسمه "مؤسسة قمة الاهتمام".
الآن اختمرت في رأسي فكرة تأسيس جمعية لا تقبل تمويلا خارجيا، وإنما على استعداد لاستقبال ثلاث وجبات يوميًا من أهل الكرم والمروءة اسمها جمعية "جعان يا كَفَرَة".