رئيس التحرير
عصام كامل

حكايات جديدة في كتاب مهم


في دول أوروبية كثيرة صدرت مؤخرًا طبعة جديدة من مذكرات الفنان الرائع «فان جوخ»، حكايات جديدة عن فنان مثير للجدل وأعمال مثيرة للدهشة في كتاب مهم.


الطبعة الجديدة صدرت في هولندا وألمانيا وإنجلترا، لكنَّ كثيرين في أوروبا ودوا لو قرأوها بالهولندية، لغة فان جوخ.. لماذا؟

لأن الترجمة عادة، لا تنقل لا المعاني، ولا الكلمات، ولا المفردات التي تحكيها اللغة الأم، خصوصًا في كتابات الفنانين، وسير الشعراء.. حيث العبرة في المعانى، والمشاعر العميقة في المفردات.

تعذب جوخ كثيرًا، لكنه لم يقصد أن يكتب مذكراته، الذي فعل هو أخوه ثيو، بعدما احتفظ بـ900 خطاب منه، حكى فيها عن إحساسه بالثورة الدائمة في نفسه، من الدنيا والحياة، والنساء، والخمور، والشوارع والطرقات، لا أحد يعرف لماذا كان فان جوج حانقا متضايقا قرفانا طول الوقت.. لكن الحقيقة أن "فان جوخ" كان محترف قرف وضيق.

ربما حنقه الدائم، وغضبه المستمر كان سبب فنه.. وربما الثورة الدائمة في نفسه من كل شيء، هي التي هدته إلى أن يرسم أشهر لوحاته «آكلو البطاطس».

دور النشر أخذت أصول خطابات فان جوخ لأخيه، من الحفيد الذي باعها بـ7 ملايين دولار.. كسب الحفيد الملايين، لكن فان جوخ عاش فقيرًا ومات جعانًا.. صعلوكًا.. هو لم يبع لوحة واحدة خلال حياته.. وفى جواباته قال إنه يشعر بأن الذي يرسمه لا يجب أن يباع، وقال إن الذي يود أن يعرف الحياة عليه أن يرسم ثم يدقق فيما رسم، ثم يمزق الأوراق التي رسم عليها.. ويعيد الرسم مرة ومرة ومرة من الذاكرة.

ماذا قصد؟
قصد أن الحياة الحقيقية لا يمكن تقليدها، وأن الإنسان غبى شديد، يزعم أنه متحضر وراق.. وذو حس وذوق.. وهو ليس كذلك.. لم يكن يعلم فان جوخ أن ما يكتبه لأخيه، سوف يكون بعد عشرات السنين هو التاريخ الوحيد لرسام، اعترف في حياته بأنه مجنون.. واقتنع الناس بعد وفاته بهذا.

العبقرية هي التي جعلت من جوخ شخصا خارقا للعادات والنواميس والأخلاق أيضًا.. فقد كان عنيفًا صعب العشرة.. غريب الأطوار.. ولم يكن منظما.. عشوائيته في تفكيره، ونظرياته.. وطريقة حياته هي السر في الخلافات الشديدة بينه وبين صديقه الرسام الرائع جوجان.

جوجان كان يرى الفن والحس اكتسابًا، وأن تذوق الجمال تدريب، لذلك فكر في تأسيس ما يشبه الأكاديمية، وطلب من فان جوخ الاشتراك في أن يعلما الناس كيف يرون العالم جميلا.. وكيف يستفيدون من هذا الجمال.

لقد كان جوجان رتيبا، منمقا، مقارنة بجوخ، كان جوجان عمليًا أيضًا.. بينما كان جوخ انطوائيًا.. كسولا.. وفى خطاباته إلى ثيو، ظهر أن جوجان أضاف أعباء نفسية إلى جوخ، زادت على الأعباء النفسية التي كان يشعر بها بلا سبب.. ولا داع.

في واحد من الجوابات، ذكر جوخ أنه قال كلاما عنيفا لجوجان، وأنه احتد عليه أكثر من مرة، وسبه.. وظهر أيضًا أن الصديق احتمل، وعانى وصبر؛ لأنه كان يعلم أن جوخ يعانى هو الآخر، وأنه معقد، لذلك فلا سبيل للخروج من تلك المعاناة.

سبب معاناته، أن جوخ كان يعتقد أن الفنانين مخلوقات نورانية، لا يمكن لأحد أن يكون مثلهم.. ولا هم في الوقت نفسه يمكن أن يعلموا أحدا كيف أصبحوا هكذا.. على العكس.. كان جوجان يرى أن الجمال فلسفة، وأن البشر يمكن تلقينهم تلك الفلسفة.. شريطة أن يريدوا ذلك.

في إحدى خناقاتهما.. أمسك فان جوخ سكينًا، وقطع جزءًا من أذنه، لا أحد يدرى لماذا.. فلا هو قال لأخيـه ثيو، ولا ثيو سأله.

لكن يبــدو أن هناك من أراد أن ينفى تهمة الجنون متطوعًا عن جوخ، فلجأ لشائعة قصة إهدائه أذنه لحبيبته، مع أن الحقيقة لم تكن كذلك!!
wtoughan@hotmail.com
Twitter: @wtoughan
الجريدة الرسمية