رئيس التحرير
عصام كامل

إِنِّي مسيحيٌّ أُجِلُّ مُحَمَّدًا


مدْحُ الرسولِ، صلّى الله عليه وآله وسلم، شرفٌ، ما بعده، ولا فوْقه، شرفٌ.. ويُقال إن أولَّ من مدح النبيَّ، صلى الله عليه وآله وسلم، هو جدُّه عبد المطلب، عند ميلاده، في أبيات يقول فيها:


"من قبلها طبت في الظلال وفي... مستودع حتى يخصف الورقُ.. ثم هبطت البلاد لا بشرٌ.. أنت ولا مضغةٌ ولا علقُ.. لا نطفةٌ تركب السفين وقد.. ألجم نسرا وأهله الغرقُ.. تنقل من صالب إلى رحمٍ.. إذا مضى عالم بدا طبق.. حتى بيتك المهيمن من.. خندق علياء تحتها النطق.. وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق.. فنحن في ذاك الضياء وفي.. النور وسبل الرشاد نخترق".

ومن الشعراء الذين مدحوا النبي في حياته ومدحوا أصحابه؛ حسان بن ثابت وكعب بن زهير وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة.. وأول من مدح النبي صلى الله عليه وآله، وسلم بعد أن جاءته الرسالة هو عمه العباس بن عبد المطلب.. وبعض المؤرخين ينسبون الأبيات أعلاه إليه.. كما مدحه عمه أبوطالب، فقال:

"وأبيض يستسقي الغمام بوجهه.... ثمالُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ".

ومن أشهر الشعراء الذين مدحوا النبي صلى الله عليه وآله، وسلم، بعد وفاته؛ الشاعر الأموي الفرزدق، ويوسف النبهاني، وكتب الشاعر العباسي مهيار الديلمي مئات القصائد في مدحه.

ومن أعظم المدائح؛ البردة النبوية، التي صاغها البوصيري، في ظروف روحانية استثنائية، وعلى نهجه سار عشرات الشعراء، حتى الآن. ومن أجمل ما نظموه، قصيدة أحمد شوقي، التي استهلها: "ريمٌ على القاعِ بين البانِ والعلمِ..... أباحَ سفْكَ دمي في الأشهرِ الحُرُمٍ".

ومن أغرب وأجمل مشاعر الحب لنبي الإسلام، هو ما عبر عنه جاك شماس، الشاعر العربي المسيحي، الذي مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

خالد جودة، أحد الباحثين في تاريخ المدائح النبوية، قائلا: "قمت ببحث في عام 2004، عن المدائح والسمات النبوية في مجموعة من القصائد في القديم والحديث، ورصد الفصل الأخير المعنون بـ"في عالم الجمال"، من كتاب "مُحَمّد مُشْتَهَى الأُمَم" للكاتب محمد القوصي، (صادر في 2010)، أكثر من 14 شاعرًا مسيحيًا، مدحوا رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام، مبينا بحور الجمال الذي سعى لها شعراء مسيحيون عرب عبر المديح النبوي.

وقال جاك شماس أبرز الشعراء المسيحيين العرب في مقابلة تليفزيونية عام 2012: "يستغرب البعض لماذا أتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟" ثم عقب قائلا إنه "حديث من شغاف القلب لا يأخذ منحنى آخر سوء خدمة وطني وعروبتي". وخلال المقابلة التليفزيونية، لم يتوقف شماس، عن مدح النبي محمد خاتم المرسلين، من مولد النبي محمد، أبحر إبداع شعراء مسيحيين عرب، وهذا الشاعر اللبناني إلياس فرحات (1893-1976) يصرخ في مدحه للرسول من واقع الأمة العربية قائلا: "يا رسول الله إنا أمة... زجها التضليل في أعمق هوّة.. ذلك الجهل الذي حاربتَه... لم يزل يظهر للشرق عتوّه".

وفي قطار الوصف، انتقل الشاعر السوري إلياس قنصل (1914ـ1981) من محطة لأخرى يظهر صفات محمد قائلا: "يقابل بالصبر الجميل ضغائنا.. تمادى بها وعد بسب ويثلب.. ويعفو عن الأسرى وكان وعيدهم... بما في نواياهم من الثأر يلهب.. إذا جاءه الملهوف فهو له أخ.. وإن جاءه المحروم فهو له أب.. صفات نبي أحسن الله خلقه.. نفوس الورى من رفدها تتهذب".

وذاب الشاعر السوري جاك شماس الذي ولد عام 1947، بشعره مدحا في سيد الرسل، صلى الله عليه وآله، قائلا: "إني مسيحي أُجِلُّ محمدا.. وأجل ضادا مهدُه الإسلام.. وأجل أصحابَ الرسولِ وأهلَه.. حيث الصحابة صفوة ومقام.. أودعت روحي في هيام محمد.. دانت له الأعراب والأعجام"..

ولا يمانع شماس ذلك الشاعر المولع بحب النبي، أن يكرر هذا المدح الشعري ويجهر به قائلا: "يممت طه المرسل الروحاني.. ويجل طه الشاعر النصراني.. يا خاتم الرسل الموشح بالهدى.. ورسول نبل شامخ البنيان.. مهما أساء الغرب في إيلامه.. لم يرق هون للنبي الباني".

واعتُبِر "ميخائيل ويردي" أول مسيحي ينظم قصيدةً في (نهج البُردة) على الإطلاق، بحسب الأديب محمد عبد الشافي القوصي في كتابه الجديد «نهج البردة للشاعر المسيحي ميخائيل ويردي».. ومتميزا في وصف سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله، يقول ميخائيل في مديحه: "أنوار هادي الورى في كعبة الحرم... فاضت على ذكر جيرانٍ بذي سلم.. يا أيّها المصطفى الميمون طالعه.. قد أطلع الله منك النور للظّلم.. صلى الإله على ذكراك ممتدحًا...حتى تؤمّ صلاة البعث بالأمم".

ليت المتسلفة، والمفتين بحرمة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، والمكفرين الناس بالمظاهر، يقرأون، لعلهم يفهمون، ويدركون أن الإسلام بعيد كل البعد عن فتاويهم الشاذة، وأفقهم الضيِّق.
الجريدة الرسمية