رئيس التحرير
عصام كامل

لا رهان على من تسبب بالنكبة


لا نتعلم كمصريين من دروس الماضي، وفي وقت تزداد فيه الأزمة السياسية عمقًا مع السعودية بسبب اختلاف الرؤى في القضايا العربية والإقليمية وعدم تنفيذ الاتفاقات الثنائية، نجد مصر تندفع باتجاه أمريكا لإعادة الدفء المفتقد بين البلدين طوال عهد أوباما، وإعطاء دفعة جديدة للعلاقات الثنائية اعتمادًا على مناهضة الرئيس الأمريكي ترامب سياسة سلفه أوباما، خصوصًا فيما يتعلق بمصر وبعض قضايا الشرق الأوسط..


قد يكون الأمر مقبولا إذا اقتصرت زيارة وزير الخارجية سامح شكري للولايات المتحدة على ذلك، بالإضافة إلى مناقشة قضايا المنطقة ومحاولة تقريب وجهات النظر وتعزيز العلاقات الثنائية، لكن ما حدث للأسف الشديد أن شكري تطرق إلى "المساعدات الأمريكية لمصر"، داعيًا إلى ضرورة مراجعتها حيث "تحتاج مصر لزيادتها لتتمكن من استمرار جهودها في مكافحة الإرهاب وتوفير الحماية لأبنائها، وتعزيز الاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط التي ازدادت توتراتها وأزماتها بشكل متفاقم".

عدنا مجددًا إلى "التسول" من الدول، ونسينا أن من يعطي ينتظر المقابل ممن يأخذ، فأمريكا التي ساعدتنا أكثر من ثلاثة عقود رهنت قرارنا وجعلتنا تابعين لها، وعندما أراد الرئيس السيسي إنهاء عهد التبعية أصبحت مصر خارج حسابات أمريكا وتجاهلتنا بشكل تام بل حاربتنا في جميع المجالات، فكيف نعود بأنفسنا لنطلب زيادة برنامج المساعدات العسكرية والاقتصادية دون التفكير فيما سيفرض علينا تنفيذه بالمقابل؟! 

كان حريًا بالنظام التفكير مليًا في الأزمة مع السعودية والاستفادة منها وعدم تكرارها مع أمريكا؛ لأن السعودية عندما أعطت مصر منذ احتجاجات 25 يناير وحتى وقت قريب، انتظرت بالمقابل تأييدنا رؤيتها وقراراتها في القضايا العربية على أقل تقدير، لكن مصر اتخذت مسارًا مختلفًا في الشأن السوري بعيدًا عن الإجماع الخليجي المؤيد للرؤية السعودية، من هنا حدثت الأزمة، إذ اعتبرت السعودية أنها أجزلت العطاء ولم تأخذ شيئا، فضلا عن أنها ترى أن مصر خدعتها بعدم تنفيذ اتفاقية "تيران وصنافير" انتظارًا لحكم القضاء، وعليه أوقفت توريد شحنات البترول الشهرية وانقطعت الاتصالات بين البلدين والأزمة تزداد اتساعًا وعمقًا وربما تصل في الأيام المقبلة إلى طلب رد الودائع التي دعمت بها المملكة الاحتياطي النقدي في البنك المركزي.. ولو لم نكن أخذنا مساعدات ومنحًا من السعودية ومن غيرها ما كانوا طلبوا المقابل وكنا تعاملنا معهم بندية.

بالعودة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نعرف أن سياسته ورؤيته للشرق الأوسط مختلفة تمامًا عن سياسة "الإخواني" أوباما، لكن ليس معنى هذا أن نندفع تجاه الإدارة الأمريكية؛ لأن وجوه الرئاسة تتغير والأحزاب تحكم، لكن تبقى السياسة الأمريكية ثابتة تحكمها "مصلحة الولايات المتحدة والسيطرة على العالم وضمان أمن إسرائيل"!

فيما يخص الصهاينة، أكد ترامب مرارًا انحيازه إلى "إسرائيل الحليفة الوثيقة للولايات المتحدة في أي مفاوضات وعلى الفلسطينيين أن يأتوا إلى طاولة المفاوضات، وهم يعرفون أن إسرائيل ستبقى إلى الأبد يهودية"، كما تعهد بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وهنا يحضرني ما قاله إسرائيلي خلال الاحتفال في شوارع "تل أبيب" بفوز ترامب بالرئاسة الأمريكية "إن ترامب كرجل أعمال يساعد إسرائيل ماديا أكثر من مساعدات الحكومة الأمريكية، وسيكون حليفا أفضل لنا من أوباما الذي فشل في جميع الملفات".. بشكل شخصي لا تهمني القضية الفلسطينية بعد مواقفهم المعادية لنا وجرائم "حماس" ضدنا، لكني أردت الإشارة إلى أن ترامب لن يؤيد مصر أو العرب في أي أمر على حساب إسرائيل.

اتهم ترامب علنا هيلاري كلينتون وباراك أوباما بـ "تمويل منظمات وجمعيات لتغيير أنظمة الحكم بالقوة في الشرق الأوسط وتأسيس "داعش" لنشر الإرهاب والفوضى"، وقال إن "أمريكا أنفقت 6 تريليونات دولار في دول الشرق الأوسط في الوقت الذي كان من الممكن أن تسهم تلك الأموال في النهوض باقتصاد الولايات المتحدة".. ورغم اعترافه بأن بلده سبب نكبة وبلاء مصر والدول العربية، بتمويل المحتجين والتحريض على الفوضى والإرهاب، يطالب ترامب بالاستيلاء على نفط العراق كتعويض عن الحرب التي شنتها أمريكا لإسقاط صدام حسين، معتبرًا أن العراق باتت طوائف متحاربة وعلى أمريكا الاستيلاء على النفط الغزير الموجود فيها وكذلك النفط الموجود في ليبيا، لأنهما أقرب إلى التقسيم حاليًا.. فهل بعد هذا تراهن مصر على أمريكا؟!
الجريدة الرسمية