رئيس التحرير
عصام كامل

الواقعية فى التعامل مع كوريا الشمالية


ما زلت أتذكّر الصعوبة التى واجهتها كوزير لخارجية كوريا الجنوبية، فى إقناع إدارة بوش بالتفاوض مع كوريا الشمالية بدلًا من الاكتفاء بفرض الضغوط والانتظار إلى أن تستسلم كوريا الشمالية. آنذاك، كانت كوريا الشمالية تعيد تشغيل منشآتها النووية فى يونغ بيون وتنتج البلوتونيوم، الأمر الذى عزّز موقفها التفاوضى فى مواجهة الولايات المتحدة. ثم أُهدِر وقت ثمين قبل أن تجرى كوريا الشمالية تجربتها النووية الأولى فى عام 2006. ورغم أن بوش حوّل سياسته نحو المفاوضات الثنائية مع كوريا الشمالية بعد بضعة أشهر، فإن نظام كيم أصبح أكثر عنادًا .


وبالفعل، أصبح سلوك كوريا الشمالية منذ ذلك الوقت أكثر تقلبًا. وكان إغراقها السفينة الحربية الكورية الجنوبية تشيونان وقصف جزيرة يونبيونغ فى عام 2010 تصرفًا غير مسبوق، تسبّب فى رفع التوترات بين شطرى شبه الجزيرة الكورية إلى أعلى مستوياتها فى عقود. واليوم، وفى أعقاب التجربة النووية الثالثة فى كوريا الشمالية، يبدو الأمر كأننا دخلنا المرحلة الأكثر خطورة على الإطلاق مع إعلان النظام بوضوح عن عزمه عدم التنازل عن خياره النووى أبدًا. ماذا نفعل إذن؟

لا بد أن يكون الخيار الأول ردع المزيد من العدوان من خلال الدبلوماسية، ولكن تحقيق الردع الدبلوماسى يتوقف على مدى تعاون الصين، وهذا يستلزم الاعتراف بمصالح الصين الحيوية المتعلقة بالأمن الوطنى. فالصين لا تخشى العواقب الاجتماعية والاقتصادية التى قد تترتب على انهيار كوريا الشمالية فحسب، بل إنها تخشى أيضًا العواقب الاستراتيجية المترتبة على توحيد شطرى شبه الجزيرة، خصوصًا أن المؤسسة العسكرية الأمريكية سوف تتمكّن من الوصول إلى بعض الأراضى على حدودها من خلال تحالفها مع كوريا الجنوبية.

الواقع أن مجرد التصريح من جانب الولايات المتحدة بأنها لا تعتزم استغلال هذه الميزة العسكرية لن يكون كافيًا لتهدئة مخاوف الصين. فزعماء الصين يتذكّرون أن الولايات المتحدة وعدت الرئيس السوفييتى ميخائيل غورباتشوف بأن إعادة توحيد شطرى ألمانيا والتحول الديمقراطى فى أوروبا الشرقية لن يعنى توسّع منظّمة حلف شمال الأطلسى شرقًا. لذا فإن الأمر يتطلّب تعهدًا أكثر قوة بمراعاة المخاوف الأمنية الأساسية بشأن كوريا الجنوبية. ولن تحرّر الصين نفسها من التورّط فى سياسة حافة الهاوية التى تنتهجها كوريا الشمالية، ولن تصبح أكثر قدرة على السيطرة على سلوكيات الشمال، ما لم تضمن أمنها أولًا.

ولكن التعاون الصينى، رغم كونه ضروريًّا، فلن يحل مشكلة كوريا الشمالية من تلقاء ذاته. وينبغى لأى نهج شامل فى التعامل مع هذه القضية أن يدرك سرعة التغيير الداخلى، خصوصًا فى أذهان المواطنين العاديين فى كوريا الشمالية.
والأمر ببساطة أن الكوريين الشماليين ليسوا معزولين الآن بقدر ما كانوا من قبل، فقد أصبحوا أكثر إدراكًا لفقرهم الشديد، وهو ما يرجع فى الأساس إلى زيادة معدلات التجارة ونشوء روابط أوثق مع الصين المزدهرة.

ولا بد من تشجيع هذا التغيير الداخلى، لأنه أكثر فاعلية من الضغوط الخارجية فى التأثير فى سلوك النظام. ولكن هذا التشجيع لا بد أن يتم بطرق لا تثير مخاوف كوريا الشمالية من تدميرها بوسائل غير مباشرة. والواقع أن اقتراح الرئيس الكورى الجنوبى بارك جيون هاى بتقديم المساعدات الإنسانية على الرغم من ارتفاع حدة التوترات مؤخرًا يشكل بداية فى الاتجاه الصحيح .

إن أرواح الكوريين الشماليين العاديين لا تقل أهمية عن أمن جيران كوريا الشمالية. والأمر يتطلب نهجًا شاملًا، يركز على البعد الإنسانى بقدر ما يركز على البعد الأمنى. ويبقى لنا أن نرى ما إذا كان هذا النهج سوف يتطلب من التبصّر والشجاعة قدرًا أعظم من ذلك الذى قد يتمكّن من حشده الزعماء السياسيون اليوم فى كوريا الجنوبية والغرب والصين .

نقلًا عن صحيفة الخليج الإماراتية.

الجريدة الرسمية