كيف تتخلص من الروتين اليومى والاكتئاب النفسى؟
حين قرأت مقالا يتحدث عن بعض أسباب مكافحة الاكتئاب النفسى، شد انتباهى ما قدم كاتبه كنتائج لبعض الدراسات النفسية على مجموعة من الأشخاص الذين يعانون من حالات هذا المرض النفسى، والذين يتذمرون من الروتين اليومى، ومن عدم الإحساس بالوقت الذى يقضونه، فاكتشفوا بأن من يقوم بمساعدة غيره، ويخصص بعض الساعات أو حتى دقائق لخدمة غيره ومساعدته، وقضاء مصلحته وحاجته، يعوضه ذلك الشعور الناقص بداخله، وبالتالى فهو بمثابة وصفة سحريّة لعلاج مثل هذه الحالات التى أنهكت وأتعبت أصحابها، وحيرت المعالجين لها.
لأنّ الإحساس بالزمن يتحسن عند القائمين بالعمل الإنسانى بالمقارنة مع من تمّ إعطاؤهم الكثير من الوقت الحرّ يستنزفونه فى الفراغ، والسبب فى ذلك يعود إلى أن القيام بالأعمال الإنسانيّة والخيرية، تقوم بإشباع الرغبات النفسية لدى الإنسان بكفاءته الذاتيّة وبفعّاليته فى المجتمع، وتمنحه شعورا فريدا وممتعا بقيمة الزمن، وتجعل من صاحبها إنسانا قويا وجريئا، وواثقا من نفسه، قادرًا على تحقيق أهدافه وطموحاته، ناجحا فى التخطيط لمستقبله، والوفاء بعهوده والتزاماته، متفوقا فى مشاريعه، على الرغم من ثقل أعبائه، وكثرة مشاغله الحياتيّة.
وحين فكرت فى كل ما طرحه المقال وجدت بأن هذه الحقيقة ليست جديدة ابتكرها أطباء النفس، والمهتمون بالدراسات النفسية، إنما هى من صميم الدين الإسلامى، فله فضل السبق فى ترسيخ مضمونها فى النفوس، من خلال ممارسة حقيقة التعاون على البر والتقوى، تلك الحقيقة الجامعة التى وحدت بين الأفراد وجمعتهم على الخير كله للنهوض بمجتمعاتهم، ولتحقيق أرفع مستويات الإنسانيّة، والنصوص من الكتاب والسنة حافلة بهذا المعنى منها قوله عز وجل فى سورة المائدة يأمر عباده بالتعاون على البر والتقوى وينهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وقوله عز وجل فى سورة العصر: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِى خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
وهذه السورة قد اشتملت على معان عظيمة وعلى جميع أنواع الخير وأصوله، وفى هذا المعنى أيضا ما روى عن النبى محمد صلى الله عليه وسلم فى كثير من الأحاديث منها قوله عليه الصلاة وأزكى السلام: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، وحديث: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا وشبك بين أصابعه)) وحديث: ((مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))..
فلو أدركنا هذه الحقيقة وحققنا هذه المعانى السامية، وتحلينا بهذه الصفات الجليلة القدر، العظيمة الشأن، سنكون بذلك قد امتلكنا مفاتيح السعادة الحقيقية، وأسباب الفوز والفلاح فى الدنيا والآخرة، وسنكون من الناجين من جميع أنواع الهلاك والفساد، السالمين من جميع أنواع الهموم المنغصات، ومن الأمراض والمتاعب النفسية.