من يشوه «صورة البرلمان»؟!
اعتذار الدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب، إلى النائب علاء عبد المنعم أمر يخص رئيس المجلس وحده، وقبول النائب للاعتذار العلني عن قرار رئيس المجلس بسحب مشروع القانون الذي قدمه للجنة الشئون الدستورية والتشريعية وإحالته إلى لجنة الاقتراحات والشكاوى.. أمر يخص النائب وحده.
ويبقى أن الواقعة غير المسبوقة، تشوه صورة البرلمان لدى الرأي العام، كما تسئ لنوابه الذين قيل إنهم وقعوا على مشروع القانون، دون قراءة مواده، ما يتطلب التحقيق في الواقعة، وتحديد أسماء النواب الذين طلبوا سحب توقيعاتهم ليتعرف عليهم أبناء دوائرهم الذين انتخبوهم.
والأخطر ما أعلنه النائب المحترم علاء عبد المنعم، أن هناك مساعي لم تتوقف لإجهاض مشروع القانون منذ أن قدم في شهر مايو الماضي، وأدرج في دورة الانعقاد الأولى وجدد في الثانية، ومعني ذلك أن هناك تيارا داخل المجلس يرفض ما تضمنه المشروع من إلزام الدولة بتحقيق المساواة والتكافؤ بين جميع المواطنين، ولا يخفون اعتراضهم على المادة الأولى التي تنص على أن المواطنة أساس الدولة، وليس الدين أو الجنس أو الانتماء الحزبي.
وما ذكره النائب علاء عبد المنعم لا يخفى عن المواطنين الذين يتابعون مواقف بعض أعضاء المجلس، من قضايا المواطنة وعدم التمييز، ويتمسكون بالتفرقة بين المواطنين على أساس الدين، بحجة أن مصر دولة إسلامية، وأن الذين يدافعون عن مدنيتها إنما يسعون لهدم الدين والدولة، لذلك تسابق بعض أعضاء المجلس إلى إدانة رئيس جامعة القاهرة، عندما اتخذ قرارا بحذف بيان الديانة من الأوراق التي يتم التعامل بها داخل الجامعة، وليس غريبا أن يلقي هذا القرار هجوما شديدا من التيار السلفي الذي كاد يكفر رئيس الجامعة، لكن أن يشارك أعضاء من مجلس النواب في تلك الحملة الشرسة ضد الرجل، رغم أن قراره يتعلق بالمعاملات داخل جامعة القاهرة وحدها، ويسعى لتحقيق المساواة بين جميع الطلاب بصرف النظر عن الانتماء الديني أو الطبقي أو الجنسي.
وإذا كان هؤلاء النواب، أقاموا الدنيا ولم يقعدوها لمجرد أن رئيس إحدى الجامعات اتخذ قرارا من صميم الاختصاصات التي يخولها له القانون، ولم تتوقف مساعيهم لاغتيال الرجل الشجاع معنويا، فمن الطبيعي أن تكون مواقفهم أكثر تشددا، عندما يتقدم رجل قانون مخضرم بمشروع يجسد روح الدستور ومواده التي تفرض على جميع مؤسسات الدولة، ومنظمات المجتمع المدني اتخاذ التدابير اللازمة لإلغاء كل مظاهر التمييز.
ولا يغيب عن فطنة رئيس مجلس النواب الذي يفترض أنه يختلف مع دعاة الدولة الدينية أن يسعي إلى فتح نقاش واسع تحت القبة للمواد التي يتضمنها المشروع، وفي مقدمتها المادة التي تنص على إلغاء خانة الديانة من الأوراق الرسمية، وعلي أنه لا يجوز إجبار أي مواطن على الإفصاح عن ديانته إلا إذا كان الإفصاح ضروريا لترتيب مركز قانوني كالميراث أو الزواج.. وغيرها من المواد التي يستحيل دونها تحقيق المساواة وعدم التمييز بين المواطنين.
ومن أسف أن رئيس مجلس النواب استجاب لمعارضي مشروع القانون، وقرر سحبه من اللجنة بمناقشته بحجة أساءت إلى النائب.. وإلي النواب الآخرين، كما قدمت أبلغ إساءة إلى المجلس لا تعالج بالاعتذارات العلنية، إنما بالإسراع، بمناقشة المشروع تحت القبة، ما يفتح أبواب النقاش الواسع حول مواده سواء في الإعلام أو الندوات التي تقيمها المنظمات الحقوقية التي تهتم بقضايا المواطنة.