نجيب محفوظ والنائب المخدوش
إذا كانت الأهرامات تعتبر دليلًا من أهم الدلائل على عظمة مصر القديمة ويأتى إليها السائحون من جميع أنحاء العالم انبهارًا بها وتسليمّا بعظمة أبنائها، فإن روادنا من أمثال محمد عبده وسيد درويش وطه حسين وتوفيق الحكيم والعقاد ونجيب محفوظ وغيرهم هم أهرامنا الثقافية والفنية الذين نتباهى بهم أمام العالم.
وفى الحقيقة من عجب العجاب ومن أغرب الأمور أننا نجد أن القيم قد انهارت، وأصبحت الكلمة للصغار دون الكبار ومن أصبحوا بحكم القدر المشؤوم نوابًا في برلمان تشريعى عن الأمة وأخص بحديثى ذلك الكائن الذي ينادى بمحاكمة نجيب محفوظ على أعماله بدعوى منه بأن بها خدش للحياء.
وأتساءل هنا عزيزى القارئ هل صار كل متخرج من مدارس الأمية الثقافية يحسب نفسه ناقدًا عظيمًا، ويدعي أنه محافظًا على القيم والأخلاق، وأرى الإجابة معى في أذهانكم أن مثل هؤلاء هم الاشباه والظلال الباهتة، هم أهل الجهل والأمية الثقافية، هم أهل الانغلاق الفكرى في وقت ينادى فيه رئيس الدولة بالانفتاح والتجديد، وفى وقت تتطلع مصر إلى البناء.. فهل هذا نوع من الهزيمة الثقافية التي نعيش فيها ولا نجد من يتصدى لها، أم هو نوع من التعمد والإصرار من تحت قبة البرلمان إهانة رموز مصر العظام، هل يصح أن يحكم اللا معقول على المعقول، وهل يصح ألا يحاكم من يهين عظماء مصر والذين هم جزء من تاريخها؟ هل يصح أن نترك أيًا ما كان أن ينتهك الدستور والذي يحتوى على باب المقومات الثقافية؟
ينبغى علينا جميعًا أن نتذكر باستمرار أن كل رائد من روادنا في مجال الفكر إنما يعد هرمًا من أهراماتنا الفكرية وبناءً أصيلًا معبرًا عن جزء من حضارتنا ومجدنا التاريخى.
هل نترك لمثل هؤلاء مهاجمة الفكر الراقى والعقل المستنير وأن ينتصر هؤلاء للا معقول وللخرافة والجهل والتخلف والهمجية، وفى تاريخ الفكر قد هوجم أكثر المفكرين استنارة ومن بينهم سقراط حينما دافع عن القواعد الأخلاقية، والحلاج، وابن رشد في الفكر العربى، وديكارت، وسبينوزا، ولكن الخلود كان لهم، وإذا كان يحلو للبعض في هذه الأيام أن يهاجم روادنا في مجال الفكر والأدب والثقافة فإن الخلود لن يكون لهؤلاء بل سيكون للمفكرين المصريين الوطنيين، ولن نسمع عن هؤلاء المهاجمين إلا أسماءً، مجرد أسماء في سجل المواليد والوفيات، وتبقى مصر خالدة بكل رموزها وقياداتها الوطنية الأصيلة.