رئيس التحرير
عصام كامل

هزيمة الحكومة وانتصارها في معركة جمارك الدواجن!


لا نعرف كيف نبدأ هذا المقال.. هل نبدأه من قدرة جماعات الضغط على الحشد وتجييشها لصحف ونواب وبرامج فضائية للدفاع عن مصالحها؟ أم نبدأه من عند سلاح الشائعات الذي بات أخطر الأسلحة اليوم في تشويه القرارات إلى حد تشويهها والتراجع عنها؟ أم نبدأه من عدم استيعاب فئات عديدة من الشعب المصري لمصالحها حتى أنها تتخذ مواقف ضد ما تطالب به وعكس ما تتطلع إليه؟ أم نبدأه من تسرع الحكومة في قراراتها بنفس بطئها في اتخاذ قرارات أخرى تحتاج إلى السرعة وبنفس قدرتها على التراجع في قرارات مهمة؟


القصة باختصار أن الإنتاج المحلي من الدواجن لا يغطي السوق إلا بنسبة تتراوح بيــــن 85 و90% وأسهم عدم قدرة الدولة على فرض التسعيرة الجبرية على السوق بتزايد تلاعب الوسطاء من دورة السلعة منذ خروجها من المزارع وحتى بيعها للمواطن.. حتى تصل تقريبًا بضعف السعر.. وفشلت كل المحاولات الحكومية للوصول إلى سعر مناسب للمستهلك ولما كانت الدولة أمام متغيرين خطيرين هما تعويم الجنيه ودخول موسم الشتاء وهو موسم مشكلات المزارع وانخفاض الإنتاج ومعهم متغير ثالث وهو ارتفاع أسعار اللحوم كان لابد من تدخل عاجل.. وكان قرار رفع الجمارك حتى مايو وهو شهر عودة الدفء للمزارع ومن ثم للإنتاج الطبيعي، وهي فترة كافية قدرتها الحكومة لانخفاض الأسعار!

انتفض أصحاب المزارع وقالوا إن القرار سيدمر أكل عيش 3 ملايين عامل ولا نعرف كيف لسلعة يسيطر أصحابها على السوق تتأثر وتدمر لمجرد ملء الفراغ في باقي النسبة التي يطلبها السوق؟! ثم قالوا لماذا لا ترفع الجمارك عن الأعلاف.. رغم أن تجربة سابقة حدث ذلك ولم تنخفض الأسعار لسبب بسيط هو عدم وجود منافسة في السوق فماذا لو تكرر الأمر؟ هل هناك وقت للتجريب ؟!

هنا.. كان لابد من اللجوء للشائعة فقالوا إن الصفقة بالكامل لرجل الأعمال أحمد الوكيل وهو الذي هاجمناه عندما طالب برفع يد الدولة عن إدارة الاقتصاد لكن هنا لا يعنينا هو أو غيره ولا يعنينا إلا الحقيقة ومصلحة المصريين.. التي تقول بالبيانات الدقيقة، وكما انفرد أمس زميلنا المحترم خالد الأمير أن الشحنة الوحيدة التي دخلت البلاد منذ القرار كانت بـــ 70 طنًا فقط وتحديدًا لصالح شركة "ميدي تريد" وكانت منذ يومين وأن الشحنة وصلت تحديدًا أيضًا على السفينة "مارثا" وجنسيتها تحديدًا أيضًا "أوكرانية" واستفادت من الإعفاء الجمركي فعلا وهي الشحنة الوحيدة التي دخلت لصالح القطاع الخاص وفى نفس السياق نفى مصدر بالميناء ما تردد حول استقبال 147 ألف طن دواجن مجمد "دفعة واحدة" مؤكدًا -ما أكدناه- أن الرقم مبالغ فيه للغاية ويحتاج أكثر من 3 موانئ لاستقبالها، بالإضافة إلى أن الشحنة الواحدة على أي سفينة لا تتخطى بأي حال من الأحوال 50 ألف طن، أي ثلث الرقم الذي روجوا له !

فمن كان وراء الشائعة؟ ولماذا وقف بعض المصريين ضد مصالحهم؟ ولماذا يصرخون أن وقفت الحكومة موقف المتفرج؟ على كل حال أيضًا ربما تعدل الحكومة اليوم قرارها بعد تعهدات من كبار أصحاب المزارع بضبط الأسعار -وهو مكسب للناس- لتقصر الاستيراد بلا جمارك على الجهات الحكومية وهنا يكون القرار أقوى لأنه يغلق أفواهًا تتكلم بغير علم وأخرى تتكلم بدافع المصلحة.. لكن آن الأوان أن يدافع المصري عن مصالحه دون أن يضحك عليه أحد أو يتلاعب به أحد.. وربما كان للحديث بقية للنقل بالأرقام معاناة صغار المربين من كبارهم وهي معاناة لا يهتم بها أحد لأن أصحابها لا يملكون الشكوى ولا الحشد ولا تجييش وسائل الإعلام ولا القدرة على ترويج الشائعات !!
الجريدة الرسمية