رئيس التحرير
عصام كامل

«هدي خير العباد» من «زاد المعاد» جـ2◄33


مازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية» الجزء الثاني.. احتفاء واحتفالا بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...

حيث نتابع القراءة في الجزء الثاني من هذا الكتاب القيم في يوم مولد النبي الكريم...


◄ فى الصوم جُنباً وتقبيل الزوجة للصائم:


  وكان مِن هَدْيه  صلى اللَّه عليه وسلم  أن يُدركه الفجر وهو جُنبٌ من أهله، فيغتسِلُ بعد الفجر ويصوم... وكان يُقبِّلُ بعض أزواجه وهو صائم فى رمضان  وشبَّه قُبلة الصائِم بالمضمضة بالماء...

        

وأما ما رواه أبو داود عن مِصْدَع بن يحيى، عن عائشة، أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم، كان يُقبِّلُها وهو صَائِم، ويَمُصُّ لِسَانَها. فهذا الحديث، قد اختُلِفَ فيه، فضَّعفه طائفة بمِصْدَع هذا، وهو مختلَف فيه، قال السعدى: زائغ جائر عن الطريق، وحسَّنه طائفة، وقالوا: هو ثقة صدوق، روى له مسلم فى ((صحيحه)) وفى إسناده محمد بن دينار الطاحى البصرى، مختلف فيه أيضاً، قال يحيى: ضعيف، وفى رواية عنه، ليس به بأس، وقال غيره: صدوق، وقال ابن عدى: قوله: ((ويمص لسانها))، لا يقوله إلا محمد بن دينار، وهو الذى رواه، وفى إسناده أيضاً سعد بن أوس، مختلف فيه أيضاً، قال يحيى: بصرى ضعيف، وقال غيره: ثقة، وذكره ابن حبان فى الثقات.

         

وأما الحديث الذى رواه أحمد، وابن ماجه، عن ميمونة مولاة النبى صلى الله عليه وسلم، قالت: سُئِلَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن رجل قبَّل امرأته وهما صائمان، فقال: ((قد أفطر))  فلا يصح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وفيه أبو يزيد الضِّنِّى رواه عن ميمونة، وهى بنت سعد، قال الدارقطنى: ليس بمعروف، ولا يثبت هذا، وقال البخارى: هذا لا أُحدِّث به، هذا حديثٌ منكر، وأبو يزيد رجل مجهول.

         

ولا يَصِحُّ عنه صلى اللَّه عليه وسلم التفريقُ بين الشاب والشيخ، ولم يجئ من وجه يثبت، وأجودُ ما فيه، حديث أبى داود عن نصر بن على، عن أبى أحمد الزبيرى: حدثنا إسرائيل، عن أبى العنبس، عن الأغرِّ، عن أبى هُريرة، أن رجلاً سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصَّائِم، فرخَّصَ له، وأتاه آخرُ فسأله فنهاه، فإذَا الذى رخَّصَ له شَيْخٌ، وإذا الذى نهاه شاب. وإسرائيل  وإن كان البخارى ومسلم قد احتجا به وبقية الستة  فعِلَّة هذا الحديث أن بينه وبين الأغرِّ فيه أبا العنبس العدوى الكوفى، واسمه الحارث بن عبيد، سكتوا عنه.

      

◄ فى إسقاط القضاء عمن أكل أو شرب ناسياً

وكان من هَدْيه  صلى اللَّه عليه وسلم : إسقاطُ القضاءِ عمن أكلَ وشرِب ناسياً، وأن اللَّه سبحانه هو الذى أطعمه وسقاه، فليس هذا الأكلُ والشربُ يُضاف إليه، فَيَفْطِرُ به، فإنما يُفْطِرُ بما فعله، وهذا بمنزلة أكلِهِ وشُربه فى نومه، إذ لا تكليفَ بفعل النائم، ولا بفعل الناسى.


◄فى الأشياء التى يفطر بها الصائم

والذى صح عنه صلى اللَّه عليه وسلم: أن الذى يُفْطِرُ به الصَّائِمُ: الأكلُ، والشربُ، والحِجامة  والقئ، والقرآن دال على أن الجِماعَ مفطر كالأكل والشُّرب، لا يُعرف فيه خِلاف ولا يَصِحُّ عنه فى الكُحل شئ .

                  

وصح عنه أنه كان يستاك وهو صائم.

 وذكر الإمام أحمد عنه، أنه كان يَصُبُّ المَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ صَائِمٌ. 

         

وكان يتمضمض، ويستنشق وهو صائم، ومنع الصَّائِمَ مِن المُبالغةِ فى الاستنشاق، ولا يَصِحُّ عنه أنه احتجَمَ وهو صائم، قاله الإمام أحمد، وقد رواه البخارى فى ((صحيحه)) قال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد قال: لم يسمع الحكمُ حديثَ مِقْسم  فى الحِجامة فى الصيام، يعنى حديثَ سعيد، عن الحكم، عن مِقْسم، عن ابن عباس، ((أن النبى صلى الله عليه وسلم، احتجم وهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ)).


       

قال مهنا: وسألتُ أحمد عن حديث حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مِهران، عن ابن عباس، أن النبى صلى الله عليه وسلم، احتجم وهو صائم مُحْرِمٌ . فقال: ليس بصحيح، قد أنكره يحيى بن سعيد الأنصارى، إنما كانت أحاديثُ ميمون بن مهران عن ابن عباس نحو خمسة عشر حديثاً .


         

وقال الأثرم: سمعتُ أبا عبد اللَّه ذكر هذا الحديثَ، فضعَّفه، وقال مهنا: سألتُ أحمد عن حديث قَبيصة، عن سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: احتجم رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم صائماً مُحْرِماً . فقال: هو خطأ مِن قِبَل قَبيصة، وسألت يحيى عن قبيصة بن عقبة، فقال: رجل صدق، والحديث الذى يحدِّث به عن سفيان، عن سعيد بن جبير، خطأ من قِبَله . قال أحمد: فى كتاب الأشجعى عن سعيد بن جبير مرسلاً أن النبى صلى الله عليه وسلم، احتجم وهو محرم، ولا يذكر فيه صائماً .

         

قال مهنا: وسألتُ أحمد عن حديث ابنِ عبَّاس، أن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم؟ فقال: ليس فيه ((صائم)) إنما هو ((محرم))  ذكره سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس: احتجم رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم على رأسه وهُوَ مُحْرِمٌ، ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن خُثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، احتجم النبى صلى الله عليه وسلم وهو محرم . وروح، عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن عطاء وطاووس، عن ابن عباس، أن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم . وهؤلاء أصحاب ابن عباس، لا يذكرون ((صائماً)).

         

وقال حنبل: حدثنا أبو عبد اللَّه، حدثنا وكيع، عن ياسين الزيات، عن رجل، عن أنس، أن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم فى رمضان بعد ما قال: ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ والمَحْجُومُ)) . قال أبو عبد اللَّه: الرجل: أراه أُبان بن أبى عياش، يعنى ولا يُحتج به.

         

وقال الأثرم: قلت لأبى عبد اللَّه : روى محمد بن معاوية النيسابورى، عن أبى عوانة، عن السُّدى، عن أنس، أن النبى صلى الله عليه وسلم، احتجم وهو صائم، فأنكر هذا، ثم قال: السُّدى، عن أنس، قلت: نعم فَعَجِبَ مِنْ هذا . قال أحمد: وفى قوله: ((أفطر الحاجِمُ والمحجومُ)) غيرُ حديث ثابت . وقال إسحاق: قد ثبت هذا مِن خمسة أوجه عن النبى صلى الله عليه وسلم . والمقصود، أنه لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم  أنه احتجم وهو صائم، ولا صح عنه أنه نهى الصائم عن السواك أوَّل النهار ولا آخره، بل قد روى عنه خلافُه .

         

ويُذكر عنه: ((مِنْ خَيْرِ خِصَالِ الصَّائِمِ السِّواكُ))، رواه ابن ماجه من حديث مجالد  وفيه ضعف.

        

◄ فى حكم الكحل للصائم

وروى عنه صلى اللَّه عليه وسلم، أنه اكتحل وهو صائم، ورُوى عنه، أنه خرج عليهم فى رمضان وعيناه مملوءتان من الإثْمِدِ، ولا يَصِحُّ، وروى عنه أنه قال فى الإثمد: ((لِيَتَّقِهِ الصَّائِم))  ولا يصح . قال أبو داود: قال لى يحيى ابن معين : هو حديث منكر .

        


◄ هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى صيام التطوع

كان صلى اللَّه عليه وسلم يَصُوم حتى يُقال: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى يُقال: لا يَصُومُ، وما استكمل صِيامَ شهر غيرَ رمضان، وما كان يصومُ فى شهر أكثر مما يَصُوم فى شعبان.

         

ولم يكن يخرُج عنه شهر حتى يَصُومَ مِنه .

ولم يَصُمِ الثَّلاثَة الأشهر سرداً كما يفعلُه بعضُ الناس، ولا صام رجباً قطُّ، ولا استحب صِيامَه، بل رُوى عنه النهى عن صيامه، ذكره ابن ماجه.

         

وكان يتحرَّى صِيام يوم الإثنين والخميس.

وقال ابنُ عباس رضى اللَّه عنه: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ((لا يُفْطِرُ أَيَّامَ البِيض فى سَفَرٍ ولا حَضَر)) _ذكره النسائى_  وكان يحضُّ على صيامها.

         

وقال ابنُ مسعود رضى اللَّه عنه: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ((يَصُومُ مِنْ غُرَّةِ كلِّ شهر ثلاثة أيام)) . ذكره أبو داود والنسائى.

وقالت عائشة: ((لم يكن يُبالى مِن أىِّ الشهر صامها)). ذكره مسلم، ولا تناقض بين هذه الآثار .

         

وأما صيامُ عشرِ ذى الحِجَّةِ، فقد اخْتُلِفَ فيه، فقالت عائشة: ((ما رأيته صائماً فى العشر قط )).ذكره مسلم.

وقالت حفصةُ:(( أربعٌ لم يكن يَدَعُهُنَّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: صيامُ يومِ عاشوراءِ، والعشرُ، وثلاثةُ أيامٍ من كل شهر، وركعتا الفجر)). ذكره الإمام أحمد رحمه اللَّه .

         

وذكر الإمام أحمد عن بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم أنه ((كان يَصوم تسعَ ذى الحِجة، ويَصُومُ عاشوراء، وثلاثةَ أيامٍ من الشهر، أو الاثنين من الشهر، والخميس))، وفى لفظ: الخميسين. والمثبِتُ مقدَّم على النافى إن صح .

         

وأما صيامُ ستة أيام من شوَّال، فصح عنه أنه قال: ((صِيامُهَا مَعَ رَمَضَانَ يَعْدِلُ صِيَامَ الدَّهْرِ)).

                  

وأما صيامُ يوم عاشوراء، فإنه كان يتحرَّى صومَه على سائِر الأيَّام، ولما قَدِمَ المدينة، وجد اليهودَ تصومُه وتُعظِّمُه، فقال: ((نَحْنُ أَحَقُّ بمُوسى مِنْكُم)) .  فصامه، وأمَر بصيامه، وذلك قبلَ فرض رمضان، فلما فُرِضَ رمضان، قال: ((مَنْ شَاءَ صَامَهُ ومَنْ شَاءَ تَرَكَه)).

                           

وقد استشكل بعضُ الناس هذا وقال: إنما قَدِمَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة فى شهر ربيع الأول، فكيف يقولُ ابن عباس: إنه قدم المدينة، فوجد اليهود صُيَّاماً يومَ عاشوراء؟وفيه إشكال آخر، وهو أنه قد ثبت فى الصحيحين من حديث عائشة، أنها قالت: كانت قُريشُ تصومُ يوم عاشوراء فى الجاهلية، وكان عليه الصلاةُ والسلامُ يصُومُه، فلما هاجر إلى المدينة، صامه، وأمرَ بصيامه، فلما فُرِضَ شهرُ رمضانَ قال: ((مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَركَه)).

                                    

وإشكال آخر، وهو ما ثبت فى الصحيحين أن الأشعث بن قيس دخل على عبد اللَّه بن مسعود  وهو يتغدَّى فقال: يا أبا محمد ؛ ادْنُ إلى الغَدَاءِ . فقال: أَوَ لَيْسَ اليومُ يومَ عاشُوراء؟ فقال: وهل تدرى ما يَوْمُ عاشُوراء؟ قال: وما هو؟ قال: إنما هُوَ يومٌ كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَصُومُه قبل أن يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فلما نزل رَمَضَانُ تركه.وقد روى مسلم فى صحيحه عن ابن عباس، أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم حِينَ صام يَوْمَ عاشُوراء وأَمَرَ بِصيامِه، قَالُوا: يا رسولَ اللَّه ؛ إنَّهُ يومٌ تُعظِّمُه اليهودُ والنَّصارى، فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((إذا كانَ العَامُ المُقْبِل إنْ شَاءَ اللَّه صُمْنَا اليَوْمَ التَّاسِع)) . فلم يأت العامُ المقبل حتَّى توفِّى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم.فهذا فيه أن صومَه والأمَر بصيامه قبل وفاته بعام، وحديثُه المتقدِّمُ فيه أن ذلك كان عندَ مَقْدَمِه المدينة، ثم إن ابن مسعود أخبر أن يومَ عاشوراء تُرِكَ بِرمضانَ، وهذا يُخالفه حديثُ ابن عباس المذكور، ولا يُمكن أن يُقال: تُرِكَ فرضُه، لأنه لم يُفرض، لما ثبت فى الصحيحين

         

عن معاوية بن أبى سفيان، سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((هذا يَوْمُ عَاشُوراء، ولم يَكْتُبِ اللَّه عليكم صِيامَه، وأَنا صَائِمٌ، فمَن شَاءَ، فَلْيَصُمْ، ومَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِر)). ومعاوية إنما سمع هذا بعد الفتح قطعاً .

                  

وإشكال آخر: وهو أن مسلماً روى فى صحيحه عن عبد اللَّه بن عباس، أنه لما قيل لِرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنَّ هذا اليومَ تُعظِّمُه اليهودُ والنصارى قال: ((إنْ بَقيتُ إلى قَابِل، لأصُومَنَّ التَّاسِعَ)) فلم يأتِ العامُ القابِلُ حتى تُوفِّى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم روى مسلم فى صحيحه عن الحكم بن الأعرج قال: انتهيتُ إلى ابن عباس وهو متوسِّد رداءه فى زمزم، فقلتُ له: أخبرنى عن صوم عاشوراء . فقال:((إذا رَأَيْتَ هِلال المُحرَّم، فاعدُدْ، وأصبح يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِماً قُلْتُ: هَكَذَا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال: نعم )).

                           

وإشكال آخر: وهو أن صومَه إن كان واجباً مفروضاًَ فى أول الإسلام، فلم يأمرهم بقضائه، وقد فات تبييتُ النيةِ له من الليل وإن لم يكن فرضاً، فكيف أمرَ بإتمام الإمساك مَنْ كان أكل؟ كما فى المسند والسنن من وجوه متعددة، أنه عليه السلام، أمر مَن كان طَعِمَ فيه أن يصُومَ بَقيَّةَ يَوْمِه. وهذا إنما يكون فى الواجب، وكيف يَصِحُّ قولُ ابنِ مسعود: فلما فُرِضَ رمضانُ، تُرِكَ عاشوراء، واستحبابه لم يترك؟

                                    

وإشكال آخر: وهو أن ابن عباس جعل يوم عاشوراء يومَ التاسع، وأخبر أن هكذا كان يصومُه صلى اللَّه عليه وسلم، وهو الذى روى عن النبى صلى الله عليه وسلم: ((صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاء، وخَالِفُوا اليهودَ، صُومُوا يَوْماً قَبْلَهُ أَوْ يَوْماً بَعْدَهُ)) ذكره أحمد.  وهو الذى روى: ((أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بصَوْمِ عَاشُورَاء يَوْمَ العَاشِر))  ذكره الترمذى.

                                             

فالجواب عن هذه الإشكالات بعون اللَّه وتأييدِه وتوفيقه:

                                            

أما الإشكالُ الأول: وهو أنَّه لما قَدِمَ المدينة، وجدهم يصُومون يومَ عاشوراء، فليس فيه أن يومَ قدومِه وجدَهم يصومُونه، فإنه إنما قَدِمَ يومَ الاثنين فى ربيع الأول ثانى عشرة، ولكن أول علمه بذلك بوقوع القصة فى العام الثانى الذى كان بعد قدومه المدينة، ولم يكن وهو بمكة، هذا إن كان حسابُ أهل الكتاب فى صومه بالأشهر الهلالية، وإن كان بالشمسية، زال الإشكالُ بالكلية، ويكونُ اليومُ الذى نجى اللَّه فيه موسى هو يوم عاشوراء من أول المحرَّم، فضبطه أهلُ الكتاب بالشهور الشمسية، فوافق ذلك مقدَم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة فى ربيع الأول، وصومُ أهلِ الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس، وصومُ المسلمين إنما هو بالشَّهر الهلالى، وكذلك حَجُّهم، وجميع ما تُعتبر له الأشهر من واجب أو مُستحَبٍّ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ((نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم))، فظهر حكمُ هذه الأولوية فى تعظيم هذا اليوم وفى تعيينه، وهم أخطؤوا تعيينه لدورانه فى السنة الشمسية، كما أخطأ النصارى فى تعيين صومهم بأن جعلوه فى فصل من السنة تختلِف فيه الأشهر .

الجريدة الرسمية