«الغلاء آفة كل عصر».. توفيق الحكيم: لا شيء يقتل البائع الطامع غير المشتري القانع.. طه حسين لوزير المالية: أنت رقيق بأصحاب الثراء.. وأحمد رجب: اختلاسات المال السايب تصيب بالاكتئاب
«الغلاء» كلمة ليست وليدة العصر الحالي، بل عاشت الأوطان في فترات متعاقبة أزمات اقتصادية كثيرة، ويعاني المصريون في الوقت الحالي من ارتفاع أسعار طال كل شيء، ولا زالت المشكلة تبحث عن حل.
توفيق الحكيم
وفي مقال للكاتب توفيق الحكيم، تحت عنوان «دواء الغلاء» المنشور في «أخبار اليوم» في 12 ديسمبر 1950، استعرض «الحكيم» المشكلة وتوصل إلى حل لها من وجهة نظره.
ويقول الحكيم: «قالت العصا: لا حديث للناس اليوم إلا عن الغلاء.. هذا الداء المستعصي الذي تعبت الرءوس وكلت الهمم في البحث عن علاجه.. ألا ترى له من دواء؟! قلت: فلنبحث أولا عن أصل هذا المرض.. بعيد عن نظريات العلماء والخبراء.. إنه في حقيقة الأمر لا يختلف كثيرا عن أي مرض من تلك الأمراض التي قيل فيها قديما: (البُطْنَة أصل الداء والحمية رأس الدواء).. فمهما يكن من قوة الأسباب الاقتصادية أو غيرها مما يؤثر في السوق ويرفع الأسعار، فإن السبب الأكبر هو في أيدينا نحن بل قل: في بطوننا، فمواد الطعام من لحم وخبز وفاكهة وأرز لن ينخفض سعرها كثيرا في أي يوم، ما دمنا نريد أن نضعها على موائدنا في كل يوم، إن شراهة المنتج والبائع إنما تنبع من شراهة المشتري والمستهلك.
وإليكم تجربة تثبت ذلك بالدليل؛ قوموا معشر المستهلكين بحملة واسعة النطاق، واستخدموا فيها الصحف والإذاعة وكافة طرق النشر لتحديد الأصناف وتنظيم ألوان الطعام لكل قادر وكل بيت، محذرين من أكل الفاكهة أكثر من مرتين في الأسبوع، واللحم أكثر من ثلاث مرات والأرز أكثر من مرتين أو ثلاث، واحملوا حملة شعواء على الإسراف والتبذير والترف في المأكل والملبس، وروجوا للقناعة والبساطة –ولا أقول للزهد والتقشف- كما فعلت إنجلترا منذ عامين، فنجحت لا فقط في مقاومة الغلاء بل في القضاء على أزمتها المالية، افعلوا ذلك بكل وسيلة وأنتم ترون العجب: إن الكروش ستختفي وينقص الترهل ومرض السكر وضغط الدم، وتنقص الأسعار وتعمر الجيوب ويُطعم الفقير والغني.. قالت العصا: حقا.. لا فائدة من علاج الغلاء قبل أن نعالج بطوننا وترفنا.. لا شيء يقتل البائع الطامع غير المشتري القانع».
أحمد رجب
وتعرض الكاتب الراحل صاحب الـ«نص كلمة»، أحمد رجب لأزمة الغلاء، أكثر من مرة في جريدة «أخبار اليوم».
ويقول الكاتب الساخر: «السؤال الحائر على ألسنة الناس: متى يتوقف جنون الأسعار التي تحقق كل يوم قفزات جديدة، يقول أحد الفلكيين إن هذا الغلاء سوف ينحسر عند دخول كوكب الزهرة في برجل الحمل وخروج عبيد من الوزارة".
وفي «نص كلمة» أخرى قال «رجب»: «ردا على المتسائلين: من المؤكد أن الغلاء والجباية وقلة الدخول والبطالة من أسباب الاكتئاب المتفشي بين الناس، ولا شك أن أخبار اختلاسات المال السايب التي يسمعها الناس كل يوم تصيبهم بالاكتئاب الأكبر؛ لأن فرصة الاختلاس غير متاحة لهم».
وأضاف: «كنت أتجول مع المهندس عثمان أحمد عثمان خلال بناء كوبرى أكتوبر، فأشاهد المهندس إبراهيم محلب وسط العمال يأكل ويشرب معهم ويناديهم بأسمائهم، واحد منهم فعلا، فما الذي جعله رئيس حكومة بعيدا عن الفقراء، فيرفع أسعار الوقود والماء والكهرباء، وهو يعرف أن رفع سعر الوقود سيمتد إلى غلاء كل شيء، لماذا يفعل ذلك الرجل الطيب مع أنه رئيس حكومة انتقالية لا يجوز له رفع الأسعار؟».
طه حسين
وفي جريدة المصري، بتاريخ يوم 1 أبريل عام 1944، كتب الدكتور طه حسين مقالا تحت عنوان: «أنا لو كنت عضوًا في البرلمان» يرد به على إسماعيل صدقي باشا.
وقال «طه حسين»: «لو كنت عضوا في مجلس الشيوخ أو النواب لقلت لوزير المالية لا تسمع لكلام إسماعيل صدقى وأشباهه، فإنهم لا يقولون ولا يكتبون في السياسة المالية أو غير المالية إلا وهم يذكرون أنفسهم قبل أن يذكروا شيئا آخر غير أنفسهم.
لا تسمع لصدقي باشا وأشباهه فإنهم لا يفكرون في رخاء الشعب ولا في إرضائه، ولا في إصلاح مصر ولا في رقيها بقدر ما يفكرون في أموالهم وأعمالهم ومنافعهم، وأذكر يوم فكرت الحكومة في تيسير تجارة الفاكهة بين مصر وبلاد الشرق الأدنى ثار صدقى باشا يحتج، ولم يفكر في أن الحكومة تريد أن تتيح للمصريين الفقراء أن يذوقوا ما يشبه البرتقال من الفاكهة.
ولو كنت عضوا في البرلمان لقلت لوزير المالية لا تسمع لصدقى باشا وأشباهه، فليس إنصاف الموظفين عيبا، أو إنصاف الطوائف عيبا، فالموظفون من أبناء الشعب، وإنما وجدت الدولة لتنصف الشعب وترضيه، وإذا لم تحقق الدولة ذلك فلا معنى لوجودها، ولا حق لها على الشعب، وأنه لن يتحقق الأمن الاجتماعى بأن يشبع صدقى وأشباهه وأن يروى صدقى وأشباهه، وأن ينعم صدقى وأشباهه بطيبات الحياة، وأن يجوع الآخرين.
أؤكد لوزير المالية الذي يلعب مع الوزراء النرد والشطرنج في نادي محمد على أن الحياء قوام الفضيلة، وقوام الرجولة، وأن هناك أشياء كثيرة لا ينبغى أن تقال.
فالغلاء لا يطاق وأجور الموظفين بعيدة عن أن تلائم هذا الغلاء، وأنا أعلم أن ميزانية الدولة لن تسمح لك بأكثر مما فعلت، ولكنى أعلم أن في موارد الأمة ما يمكنك من أن ترفع هذه الميزانية، وليس من الضرورى أن تكون ميزانيتنا الآن 70 مليون جنيه ويمكن أن تصل إلى 100 مليون جنيه لكنك رقيق بأصحاب الثراء.. عنيف جدا مع الفقراء».