رئيس التحرير
عصام كامل

خدمة «٢٤ ساعة»


عزيزي القارئ.. يا ترى إيه أول خدمة تيجي على بالك لما تسمع أنها موجودة "٢٤ ساعة"؟ من غير ما أتعبك، أطلب منك فقط أن تعود بالذاكرة إلى الخلف قليلا -أو كثيرا- وتسترجع معايا ذكريات كلنا بلا استثناء مرينا بيها ولسه بنمر وبنحسبلها ألف حساب.. ولكن هذه الذكريات تحولت عندي إلى ضحك كالبكاء.. بعد ما فعله اليابانيون لتحويل واقعها إلى لحظات رفاهية واستمتاع.. لقطة أخرى من مشهد آخر نحاول فيه، من كيوتو، نقل كل غريب وجديد أبدعته اليابان. 

الجامعات كلها -مصرية أو أجنبية- بتاخد وقت على بال ما تستخرج منها شهادة.. أيًا كانت قَيد أو درجات أو عدد ساعات أو تخَّرُج مؤقتة.. ومن ضمن نقاط إعجابنا بأي جامعة هي سرعتها في إنجاز الشهادات.. في جامعات بتخلصها في ساعات وفي بيخلصها في أيام قد تصل لأسابيع وبنفضل نلف على التوقيعات والدمغات ونفضل طالعين نازلين عشان الطابع أبو "٩٠ قرش"...

لما جيت أجدد الإجازة الدراسية في مصر، طلبت استخراج شهادة قيد- من مكتب شئون الطلبة في جامعة كيوتو للدراسات الدوائية- ولأنها لازم تكون بالإنجليزية أخدت ٣ ساعات تقريبًا.. ده كان أول تعامل ليا مع استخراج الشهادات وبالنسبة لي إنجاز هايل.. ولكن! النهاردة كنت محتاجة اطلّع شهادة قيد ودرجات بالياباني..

سألتني صديقتي اليابانية: طلعتيهم واللا لسه؟
قلتلها: لا لسه، هانزل دلوقتي لشئون الطلبة، زي ما أي حد متعود يفكر. 
قالتلي: لا مش من شئون الطلبة، من المكنة!
قلتلها: مكنة إيه ؟
ردت: الكبيرة دي، تحت عند المدخل !
قلتلها: هي مش ده مكنة بنك؟
قالتلي: بنك إيه.. ده مكنة شهادات!

نزلنا سوا ولِسان حالي بيقول بتهزَّر وباين عليا التعجب والاندهاش.. هي عبارة عن جهاز بحجم مكنة البنك فعلا، فيه شاشة باللمس ومربع أبيض، تلمس المربع بكارنيه الكلية بتاعك للتعريف وتدَّخل الرقم السري هو يوم وشهر ميلادك، تبدأ بعدها تشتغل مع صوت توجيهي في كل خطوة.. تختار نوع الشهادة، ولأن كل جهة محتاجة صيغة مختلفة، فيها نحو ١٢ صيغة جاهزة.. في منهم بيحتاج صورة الطالب الشخصية، بتلاقيها متسجلة مع بياناتك.. تحدد النوع والعدد يحددلك بعدها المبلغ.. تدفعه في فتحات مخصوصة، سواء ورقية أو معدنية، تاخد الباقي وتستنى ثواني بالضبط تطلعلك الشهادات كلها مختومة بختم الجامعة ومطبوعة على ورق بخلفية شعار الجامعة منعًا للتزوير..

مميزاتها ماوقفتش بس عند الشهادات، تقدر تطبع منها خطابات موجهة لشركة القطارات لتخفيض ثمن تذاكر قطار الطلقة أو "الشينكانسن" وتطبع نسخة من تقاريرك الطبية، آخر خدمتين دول بقى ببلاش.

كل ده ماخدش دقيقة بالضبط.. مر فيها قدامي ذكريات كتير خليتني واقفة مذهولة وأنا ماسكــة الشهـــــادات بعــد ما اتطبعت.. المكنــة دي عوضــت أغلب شُغــل ومجهود شئــون الطلبة وشئون الخريجين وشئــون أعضـــــــاء هيئــــة التدريس.. بيانات كل طالب وموظف وعضو هيئة تدريس متسجلة عليها.. قللت الضغط على الموظفيــن ووجهت تفكيرهم ومجهودهم للشغل الأهم اللي ماتعوضهوش أي مكنة.. فهمت بعدها ليـه دايمًا بشوف مكاتب شئون الطلبة فاضية وهادية جدًا على غير ما كنت متخيلة.

آخر وأهم معلومة حاولت أخليك عزيزي القارئ تَخيُلها، هي أن المكنة ده تشغيلها غير مرتبط نهائي بأي إجازات، سواء أُسبوعية أو سنوية أو أعياد قومية.. يعني لو حبيت أطبع شهادة بعد منتصف ليل يوم السبت في إجازة الصيف أو رأس السنة، كل اللي محتاجاه أني أدخل الكلية بالكارنيه وأشغلها بس.. لأنها مُتاحة "٢٤ ساعة ٧ أيام في الأسبوع".
الجريدة الرسمية