عندما يصبح التعليم ضد الوطن
تعترف وزارة التربية والتعليم بشكل ضمني أن هناك أزمة كبيرة في الشعور بالانتماء إلى الوطن لدى طلاب المدارس، ويؤكد ذلك بيان رسمي صدر عن وزارة التربية والتعليم في منتصف نوفمبر الماضي، حيث وجه الدكتور الهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، مديري المديريات بالمرور على كافة المدارس التابعة للمديرية، والتأكد من وضع العلم المصري في مكان بارز، ولائق به، بكافة المدارس الحكومية، والخاصة، والمدارس التي تطبق مناهج ذات طبيعة خاصة (دولية).
ووفقًا لما جاء في البيان، شدد الوزير على أن يكون العلم المرفوع غير تالف، أو مستهلك، أو ممزق أو باهت الألوان، وبحالة جيدة، وحظر رفع أي شارات أخرى في سارية واحدة معه أو في مستوى أعلى منه. كما وجه الهلالي بمتابعة قيام الطلاب بتحية العلم، وترديد النشيد الوطني أثناء الطابور، وتخصيص فقرة يومية بالإذاعة المدرسية تستهدف غرس قيم المواطنة وتعميق المشاعر الوطنية.
وأكدت الوزارة، في ختام بيانها، أن ذلك يأتي في إطار حرص الوزارة على تأكيد الثوابت الوطنية لدى أبنائها الطلاب، وغرس قيم المواطنة، وتنمية الولاء والانتماء لهذا الوطن.
البيان المشار إليه مر مرور الكرام على الجميع، ولم يلتفت إليه أحد؛ بل لم يمنح الكثيرون منا أنفسهم دقائق للتفكير في مدلولات هذا البيان، فالبيان ينص صراحة على أن هناك حالة من الاغتراب يشعر بها طلاب دون أن تحدد الوزارة المرحلة التي توجد فيها تلك الحالة، كما أن الوزارة أشارت إلى أن التوجيهات الصادرة الهدف منها تنمية الولاء والانتماء لدى الطلاب لهذا الوطن، وهذا يطرح العديد من التساؤلات حول مدى نجاح المدارس في تربية أجيال تشعر بالانتماء للبلد؟ وهل أصبحت المدارس تعمل ضد مصلحة الوطن؟
فعندما تصبح المدرسة طاردة للطلاب فحتمًا هي تقلل من الإحساس بالانتماء، وعندما تتحول المدرسة إلى عبء على الطالب وولي الأمر بسبب الأزمات المتلاحقة وتدني المستوى التربوي والتركيز على فكرة التحصيل الدراسي بدلًا من التركيز على القيم التربوبية، فحتمًا هي تعمل ضد الوطن لأنه في هذه الحالة سيتم تخريج أجيال مشوهة نفسيًا وتفقد الإحساس بالولاء للمدرسة ومن ثم للوطن، كما أنه عندما تتحول المدرسة إلى مكان لممارسة الضغوط فالمعلمون يضغطون على الطلاب وأولياء أمورهم من أجل الدروس الخصوصية، وإدارة المدارس في كثير من المدارس تمارس ضغوطًا من أجل تحصيل تبرعات إجبارية، والإدارات التعليمية تمارس ضغوطًا على المعلمين دون مراعاة للآثار المترتبة على كل تلك الضغوط فحتمًا أن كل هذه السلبيات ستؤثر على المنتج النهائي وهو المتعلم.
أيضًا، فالمتأمل في بيان التربية والتعليم يلاحظ الإجراءات التي وضعتها الوزارة من أجل غرس روح الولاء والانتماء، وجميعها إجراءات شكلية تكشف حجم السطحية التي عالجت بها الوزارة قضية خطيرة كتلك القضية، فالوزارة رأت الاكتفاء بضرورة وضع كل مدرسة العلم الوطني في سارية ظاهرة أعلى المدرسة، مع إلزام الطلاب بتحية العلم، وفقرة في الإذاعة المدرسية لغرس روح الولاء، باعتبار أن هذه الأمور قادرة على حل تلك المشكلة.
ربما لم تدرك الوزارة حجم الخطر الذي يهدد الوطن بتخريج أجيال تشعر بحالة اغتراب في وطن هو أحوج ما يكون لأبنائه المخلصين، وربما تدرك ولكنها عاجزة عن مواجهة الأزمة، وفي كل الأحوال فإن هناك كارثة يجب الانتباه إليها تتمثل في ارتفاع نسب الشعور بالغربة واللامبالاة التي تسيطر على عدد كبير من الطلاب في سن المراهقة خاصة في المرحلة الثانوية بشقيها العام والفني، وهؤلاء الطلاب بعد سنوات قليلة سيكونون هم العصب الأساسي والقوام الرئيسي للدولة فإن لم يكن هؤلاء الطلاب قد تربوا على الانتماء لهذه الأرض وتغلغلت في نفوسهم الروح الوطنية فلا تنتظر منهم أن يقدموا شيئًا لبلاد تحتاج إلى الكثير من الجهد والعرق والإخلاص في المحبة.
الأزمة التي رصدتها دراسات علمية متخصصة، ومنها الرسالة التي نال عنها محمد سعد رئيس الإدارة المركزية للتعليم الثانوي بالوزارة درجة الماجستير وتعقد مقارنة عن الولاء والانتماء لدى طلاب المرحلة الثانوية في المدارس التجريبية ومقارنتها بالمدارس الدولية، وتؤكد نتائج الدراسة أن نسبة الولاء لدى طلاب التجريبيات أعلى من طلاب المدارس الدولية.
كذلك فإن مديرية التربية والتعليم بالجيزة بدأت تستشعر الأزمة، ولذلك وقعت بروتوكول تعاون مع القوات المسلحة ممثلة في جهاز الشئون المعنوية لتقديم محاضرات لطلاب المرحلة الثانوية ومعلميهم لغرس روح الولاء والانتماء، وهي المحاضرات التي يحاضر فيها أساتذة من أكاديمية ناصر العسكرية، والوضع للأسف في المدارس الخاصة أسوأ كثيرًا من المدارس الحكومية، ما يعني ضرورة أن تلتفت الدولة لتلك الأزمة والتعامل معها باعتبارها قضية أمن قومي.