رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو.. حكاية «كفيف» وسط اللصوص.. «محمد» فقد بصره وهو صغير بسبب خطأ طبي.. تحمل مسئولية والدته و4 أشقاء بعد وفاة والده.. تفوق في تعليمه مستعينًا بـ«برايل».. والجميع سرق


«للناس مذاهبهم المختلفة في التخفف من الهموم والتخلص من الأحزان؛ فمنهم من يتسلى عنها بالقراءة أو الرياضة أو الاستماع للموسيقى والغناء، ومنهم من يذهب غير هذه المذاهب كلها لينسى نفسه ويفر من حياته الحاضرة وما تثقله به من الأعباء».. جملة وصف بها الأديب الكبير طه حسين، كيف تغلب على فقدانه للبصر وصار واحدًا من كبار الكتاب والمفكرين في العالم واستحق أن يلقب بـ «عميد الأدب العربي»؛ وعلى نفس النهج سار «محمد محمود» ذلك الشاب صاحب الثلاثين ربيعًا والذي تحدى الظلام ليضئ لنفسه شموعًا من النجاح.


حياة متشابهة

«محمد»؛ قصة حياته تتشابه في غالبية تفاصيلها مع حياة عميد الأدب العربي؛ فقد ولد في منطقة بولاق أبو العلا؛ وكان يعاني منذ صغره من ضعف في النظر دعا أسرته للذهاب به إلى أحد الأطباء المتخصصين في أمراض العيون، ومع مرور الأيام تدهورت حالته وبالتحديد وهو في المرحلة الابتدائية وبسبب خطأ طبي أصيب بحساسية شديدة في عينيه فقد على إثرها قدرته على الرؤية تمامًا.

«محمد»؛ لم يستسلم لإعاقته وصمم على إكمال تعليمه متخذًا من عميد الأدب العربي حافزًا وقدوة له؛ وبالفعل نجح في الحصول على الشهادة الابتدائية وتفوق في المرحلتين الإعدادية والثانوية مستعينًا خلال تلك السنوات الدراسية بطريقة «برايل»، وتوج تفوقه حين التحق بكلية الآداب ونجح في الحصول على شهادتها ليتخرج في قسم التاريخ – نفس القسم الذي تخرج فيه طه حسين.

إنجاز كبير

«محمد»؛ يرى أن سنوات التعليم في مراحله الأساسية والمرحلة الجامعية لم تكن عبئًا عليه بل يعتبرها أجمل أيام حياته؛ قائلًا: «كنت في كل سنين دراستي متحمسا جدًا وعايز أثبت لكل الناس إن الظروف مهما كانت صعبة عمرها ما تمنع إنسان من تحقيق حلمه؛ وفي آخر كل سنة لما كنت بسمع خبر نجاحي بتفوق بطير من الفرح وبصمم أكتر على النجاح.. صحيح إن حلمي بالتخرج في كلية الإعلام لم يتحقق بس أنا راضي وحاسس إني عملت إنجاز كبير».

لم يكن الظلام هو المأساة الوحيدة التي قٌدر لـ«محمد»، أن يحيا مرافقًا لها بقية عمره؛ ولكن آلامه وأعبائه تضاعفت حين توفي والده وهو في عامه الجامعي الأخير؛ ليجد نفسه مسئولًا عن إعالة والدته وأخ صغير و3 فتيات؛ وهو ما كان يحتم عليه – آنذاك – إيجاد عمل يمكنه من توفير نفقات حياته وأسرته.

التمسك بالأمل

«محمد»؛ يصف اللحظات التي وجد نفسه فيها وحيدًا وعلى عاتقه مسئولية أسرة بأكملها؛ قائلًا: «ما كانش قدامي أي خيارات غير الشغل؛ قلت لنفسي: أنت لو استلسمت للإعاقة والدتك وأخواتك هيموتوا من الجوع.. وبالفعل تمسكت بالأمل وقررت أن أبحث عن عمل مناسب يعينني على توفير ما يحتاجه أفراد أسرتي وفي الوقت نفسه يمكنني من إتمام دراستي الجامعية».

«محمد»؛ خاض العديد من تجارب العمل التي لم يوفق في الكثير منها ليس لعدم قدرته على العمل ولكن لأن المجتمع رفض تقبله؛ وهو ما يوضحه بقوله: «جبت قدرة فول وقعدت بيها في الشارع واستعنت بزميل لي في الجامعة ليساعدني في هذا العمل وابتديت أبيع للناس بس للأسف خسرت لأن الزبائن ما كانش عندهم صبر يشتروا من شخص كفيف وكانوا شايفيني بطيئ ولا أصلح لمثل هذا العمل؛ والخسارة كانت حافزا إني أكمل وأدور على شغل تاني وفكرت في العمل ببيع البيض القطاعي، وبحثت عن شخص آخر يعينني على هذا العمل ولكني لم أجد بسبب أن الجميع كانوا يرفضون التعاون معي وقررت الاعتماد على نفسي ولكني تكبدت العديد من الخسائر مرة أخرى بسبب سقوط أغلب البيض وتكسره مني».

«محمد»؛ يضيف: «الاستسلام للخسارة في العملين السابقين والجلوس في المنزل كان أمرًا مستبعدًا من حساباتي.. مين هيأكل والدتي وأخواتي لو استسلمت للفشل؟؛ ولأن مسئولية الأسرة التي تعلقت في عنقي كانت تعطيني القوة والحماس اشتريت توك توك، واستأجرت سائقا للعمل عليه ولكنه واجه العديد من المضايقات من السائقين الآخرين انتهت بإحراقهم للتوك توك».

مجمع التحرير

فصول المعاناة وفي الوقت ذاته التصميم على النجاح لم تنته في رحلة «محمد»؛ فقد تعرض للكثير من الخسائر بسبب أشخاص أرادوا استغلال إعاقته: «استعوضت ربنا في حرق التوك توك، ووقفت على قدمي من جديد واشتريت عدد من الدراجات البخارية وبدأت في تأجيرهم للأطفال والشباب واستعنت بساعة ناطقة لحساب الوقت وللأسف خسرت مرة تالتة لأنهم كانوا بيرجعوهم متكسرين ويجروا من غير ما يدفعوا فلوس؛ بعد كده عملت مشروعا صغيرا عبارة عن مخبز لتصنيع الحلويات واستعنت بعامل متخصص في هذا المجال وكالعادة كان بيغش في التصنيع والحلوى اللي بتاخد شهر صلاحية كانت بتفسد بعد أسبوع واحد وخسرت خسارة كبيرة؛ وفي الآخر ما لقيتش شغل مضمون غير إني أقعد قدام مجمع التحرير وأقرأ قرآن وأبيع مناديل».

«محمد»؛ تتلخص مطالبه في الحصول على عمل لائق يضمن له ولأسرته حياة كريمة: «قدمت في أكتر من مكان عشان أحصل على عمل بشهادتي الجامعية بس الجميع كانوا بيرفضوا عشان أنا كفيف؛ ومش طالب غير أي شغلانة محترمة تساعدني على توفير مطالب أسرتي».
الجريدة الرسمية