رئيس التحرير
عصام كامل

«هدي خير العباد» من «زاد المعاد» جـ 2 ◄ 29


مازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية» الجزء الثاني.. احتفاء واحتفالا بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...

وبدءا من هذه الحلقة ستكون القراءة في الجزء الثاني من هذا الكتاب القيم...


◄ هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى الصدقة والزكاة

هَدْيُه فى الزكاة، أكملُ هَدْى فى وقتها، وقدْرِها، ونِصابها، وَمَنْ تَجِبُ عليه، ومَصْرِفِها . وقد راعى فيها مصلحةَ أربابِ الأموال، ومصلحة المساكين، وجعلها اللَّه سبحانه وتعالى طُهرةً للمال ولصاحبه، وقيَّد النعمة بها على الأغنياء، فما زالت النعمةُ بالمال على مَن أدَّى زكاتَه، بل يحفظُه عليه ويُنميه له، ويدفعُ عنه بها الآفاتِ، ويجعلُها سُوراً عليه، وحِصناً له، وحارساً له .

                  

ثم إنه جعلها فى أربعة أصناف من المال: وهى أكثرُ الأموال دَوَراناً بين الخلق، وحاجتُهم إليها ضرورية .

         

أحدها: الزرع والثمار .   

الثانى: بهيمةُ الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم .  

الثالث: الجوهران اللَّذان بهما قِوام العالم، وهما الذهب والفضة .   

الرابع: أموالُ التجارة على اختلاف أنواعها .

                  

ثم إنه أوجبها مَرَّةً كلَّ عام، وجعل حَوْل الزروع والثمار عند كمالِها واستوائها، وهذا أعدلُ ما يكون، إذ وجوبُها كلَّ شهر أو كُلَّ جمعة يضُرُّ بأرباب الأموال، ووجوبُها فى العمر مرة مما يضرُّ بالمساكين، فلم يكن أعدلَ مِن وجوبها كُلَّ عام مرة .

                           

ثم إنه فاوَتَ بين مقادير الواجب بحسب سعى أرباب الأموال فى تحصيلها، وسهولةِ ذلك، ومشقته، فأوجب الخُمس فيما صادفه الإنسان مجموعاً محصَّلاً من الأموال، وهو الرِّكاز . ولم يعتبر له حَوْلاً، بل أوجب فيه الخُمسَ متى ظفر به .

         

وأوجب نصفه وهو العُشر فيما كانت مشقةُ تحصيله وتعبه وكُلفته فوقَ ذلك، وذلك فى الثمار والزروع التى يُباشر حرث أرضها وسقيها وبذرها، ويتولَّى اللَّه سقيها مِن عنده بلا كُلفة من العبد، ولا شراء ماءٍ، ولا إثارة بئرٍ ودولابٍ .

         

وأوجب نِصف العُشر، فيما تولى العبد سقيَه بالكُلفة، والدَّوالى، والنواضِح وغيرها .

         

وأوجب نِصف ذلك، وهو ربعُ العُشر، فيما كان النَّماء فيه موقوفاً على عمل متصلٍ مِن رب المال، بالضرب فى الأرض تارة، وبالإدارة تارة، وبالتربص تارة، ولا ريبَ أن كُلفة هذا أعظم من كُلفة الزرع والثمار، وأيضاً فإن نمو الزرع والثمار أظهرُ وأكثر من نمو التجارة، فكان واجبُها أكثرَ من واجب التجارة، وظهورُ النمو فيما يُسقى بالسماء والأنهار، أكثرُ مما يُسقى بالدوالى والنواضح، وظهورهُ فيما وجد محصلاً مجموعاً، كالكنز، أكثر وأظهر من الجميع .

         

ثم إنه لما كان لا يحتمل المواساةَ كلُّ مال وإن قلَّ، جعل للمال الذى تحتمله المواساة نُصُباً مقدَّرةً المواساة فيها، لا تُجْحِفُ بأرباب الأموال، وتقع موقِعها من المساكين، فجعل للوَرِقِ مائتى درهم، وللذهب عشرين مثقالاً، وللحبوبِ والثمار خمسةَ أوسق، وهى خمسة أحمال من أحمال إبل العرب، وللغنم أربعين شاة، وللبقر ثلاثين بقرة، وللإبل خمساً، لكن لما كان نِصابها لا يحتمل المواساة من جنسها، أوجب فيها شاة . فإذا تكررت الخمس خمس مرات وصارت خمساً وعشرين، احتمل نصابُها واحداً منها، فكان هو الواجب .

         

ثم إنه لما قَدَّرَ سِنَّ هذا الواجب فى الزيادة والنقصان، بحسب كثرة الإبل وقلَّتِها من ابن مَخاض، وبنت مَخاض، وفوقه ابنُ لَبُون، وبنت لَبون، وفوقه الحِقُّ والحِقَّة، وفوقَه الجَذَعُ والجَذَعَة، وكلما كثُرت الإبلُ، زاد السِّن إلى أن يصل السِّنُ إلى مُنتهاه، فحينئذٍ جعل زيادة عدد الواجب فى مقابلة زيادة عدد المال .

         

فاقتضت حكمته أن جعل فى الأموال قَدْراً يحتمل المواساة، ولا يُجحِفُ بها، ويكفى المساكين، ولا يحتاجُون معه إلى شئ، ففرض فى أموال الأغنياء ما يكفى الفقراء، فوقع الظلمُ من الطائفتين، الغنيُّ يمنعُ ما وجب عليه، والآخذ يأخذ ما لا يستحقه، فتولَّد من بين الطائفتين ضررٌ عظيم على المساكين وفاقةٌ شديدة، أوجبت لهم أنواع الحيل والإلحاف فى المسألة.

                  

والربُّ سبحانه تولَّى قَسْمَ الصدقة بنفسه، وجزَّأها ثمانيةَ أجزاء، يجمعُها صِنفانِ من الناس، أحدهما: مَن يأخذ لحاجة، فيأخذ بحسب شدة الحاجة، وضعفها، وكثرتِها، وقِلَّتها، وهم الفقراءُ والمساكين، وفى الرقاب، وابن السبيل . والثانى: مَن يأخذ لمنفعته وهم العاملون عليها، والمؤلَّفةُ قلوبُهم، والغارِمون لإصلاح ذاتِ البَيْن، والغُزاةُ فى سبيل اللَّه، فإن لم يكن الآخِذُ محتاجاً، ولا فيه منفعة للمسلمين، فلا سهم له فى الزكاة .

                      

◄ فى مَن هو أهل لأخذ الزكاة

وكان من هَدْيه صلى اللَّه عليه وسلم إذا علم من الرجل أنه مِن أهل الزكاة، أعطاه، وإن سأله أحدٌ من أهل الزكاة ولم يَعْرِفْ حاله، أعطاه بعد أن يخبره أنه لا حظَّ فيها لِغنى ولا لِقوى مكتسِب.

         

وكان يأخذها من أهلها، ويضعُها فى حقها .

                  

وكان من هَدْيه، تفريقُ الزكاة على المستحقين الذين فى بلد المال، وما فضلَ عنهم حُمِلَت إليه، ففرَّقها هو صلى اللَّه عليه وسلم، ولذلك كان يبعث سُعاته إلى البوادى، ولم يكن يبعثُهم إلى القُرى، بل أمر معاذ بن جبل أن يأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن، ويُعطيها فقراءهم، ولم يأمره بحملها إليه.

                           

ولم يكن من هَدْيه أن يبعث سُعاته إلا إلى أهل الأموال الظاهرة مِن المواشى والزروع والثمار، وكان يبعثُ الخارِصَ فيخرُصُ على أرباب النخيل تمرَ نخيلهم، وينظر كم يجئ منه وَسْقاً، فَيحْسِبُ عليهم من الزكاة بقدره، وكان يأمر الخاَرِصَ أن يدعَ لهم الثلثَ أو الرُّبعَ، فلا يخرصه عليهم  لما يعرُو النخيلَ مِن النوائب، وكان هذا الخرصُ لكى تُحصى الزكاةُ قبل أن تؤكل الثمارُ وتُصْرَمَ، وليتصرَّف فيها أربابها بما شاؤوا، ويضمنوا قدرَ الزكاة، ولذلك كان يبعث الخارِصَ إلى مَن ساقاه من أهل خيبر وزارعه، فيخرُص عليهم الثمارَ والزروع، ويُضمِّنُهم شطرًها، وكان يبعثُ إليهم عبد اللَّه بن رَواحة، فأرادوا أن يَرشُوه، فقال عبد اللَّه: تُطعمونى السُّحتَ؟، واللَّهِ لقد جئتكم من عند أحبِّ الناس إلىَّ، ولأنتُم أبغضُ إلىَّ من عِدَّتِكم مِن القِردةِ والخنازير، ولا يحمِلُنى بُغضى لكم وحُبِّى إياه، أن لا أعدل عليكم، فقالوا: بهذا قامت السمواتُ والأرض.

                                    

ولم يكن من هَدْيه أخذُ الزكاة من الخيل، والرقيق، ولا البغال، ولا الحمير، ولا الخضروات ولا المباطخ والمقاتى والفواكه التى لا تُكال ولا تُدَّخر  إلا العنب والرُّطب فإنه كان يأخذ الزكاة منه جملة ولم يُفرِّق بين ما يبس منه وما لم ييبس.

                                          

◄ فى زكاة العسل وما ورد فيه

         

واختلف عنه  صلى اللَّه عليه وسلم  فى العسل، فروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاء هلالٌ أحد بنى مُتْعان  إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعشُور نحل له، وكان سأله أن يَحمىَ وادياً يُقال له ((سَلَبَة))، فحمى له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذلك الوادى، فلما وَلِىَ عُمَرُ ابنُ الخطاب رضى اللَّه عنه، كتب إليه سفيانُ ابن وهب يسألُه عن ذلك، فكتب عمر: إن أدَّى إليك ما كان يُؤدِّى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مِن عشُور نَحله، فاحمِ له ((سَلَبَة))، وإلا فإنما هو ذُباب غيثٍ يأكلُه مَنْ يَشَاء.

         

وفى رواية فى هذا الحديث: ((مِنْْ كُل عشر قِرَبٍ قِربة)).

         

وروى ابن ماجه فى سننه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أنه أخَذَ مِن العَسَل العُشْرَ.

         

وفى مسند الإمام أحمد، عن أبى سيَّارة المتعى، قال: قلت: يا رسول اللَّه ؛ إن لى نحلاً . قال: ((أَدِّ العُشْرَ)) . قلتُ: يا رسول اللَّه ؛ احْمِها لى، فحماها لى .

         

وروى عبد الرزاق، عن عبد اللَّه بن مُحَرَّرٍ عن الزهرى، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، قال: كتب رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن، أن يُؤخَذَ مِنَ العَسَلِ العُشْرُ .

        

 قال الشافعى: أخبرنا أنس بن عياض، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبى ذباب، عن أبيه، عن سعد بن أبى ذُبابذ قال: قدِمتُ على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأسلمتُ ثم قلتُ: يا رسول اللَّه ؛ اجعل لقومى من أموالهم ما أسلموا عليه، ففعل رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، واستعملنى عليهم، ثم استعملنى أبو بكر، ثم عُمَرُ رضى اللَّه عنهما . قال: وكان سعد من أهل السَّراةِ، قال: فكلَّمتُ قومى فى العسل . فقلت لهم: فيه زكاة، فإنه لا خير فى ثمرة لا تزكَّى . فقالوا: كم ترى؟ قلتُ: العُشرَ، فأخذت منهم العُشرَ، فلقيتُ عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فأخبرتُه بما كان . قال: فقبضَهُ عمر، ثم جعل ثمنه فى صدقات المسلمين . ورواه الإمام أحمد، ولفظه للشافعى .

                  

واختلف أهلُ العلم فى هذه الأحاديث وحكمها، فقال البخارى: ليس فى زكاة العسل شئ يصح، وقال الترمذى: لا يَصِحُّ عن النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الباب كثيرُ شئ . وقال ابن المنذر: ليس فى وجوب صدقة العسل حديث يثبت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا إجماع، فلا زكاة فيه، وقال الشافعى: الحديثُ فى أن فى العسل العُشرَ ضعيف، وفى أنه لا يؤخذ منه العُشر ضعيف إلا عن عمر ابن عبد العزيز.

         

قال هؤلاء: وأحاديثُ الوجوب كلُّها معلولة، أما حديث ابن عمر، فهو من رواية صدقة بن عبد اللَّه بن موسى بن يسار، عن نافع عنه، وصدقة، ضعَّفه الإمام أحمد، ويحيى بن معين، وغيرهما، وقال البخارى: هو عن نافع، عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسل، وقال النسائى  صدقة ليس بشىء، وهذا حديث منكر.

         

وأما حديث أبى سيَّارة المتعى، فهو من رواية سليمان بن موسى عنه، قال البخارى: سليمان بن موسى لم يدرك أحداً من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .

         

وأما حديث عمرو بن شعيب الآخر، أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ من العسل العُشر، ففيه أسامة بن زيد بن أسلم يرويه عن عمرو، وهو ضعيف عندهم، قال ابن معين: بنو زيد ثلاثتُهم ليسوا بشىء، وقال الترمذى: ليس فى ولد زيد بن أسلم ثقة .

        

 وأما حديث الزهرى، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة: فما أظهر دلالته لو سلم من عبد اللَّه ابن محرَّر راويه عن الزهرى، قال البخارى فى حديثه هذا: عبد اللَّه بن محرَّر متروك الحديث، وليس فى زكاة العسل شىء يصح.

         

وأما حديث الشافعى رحمه اللَّه، فقال البيهقى: رواه الصلت بن محمد، عن أنس بن عياض، عن الحارث بن أبى ذباب، عن منير بن عبد اللَّه، عن أبيه، عن سعد بن أبى ذباب، وكذلك رواه صفوان ابن عيسى، عن الحارث بن أبى ذباب . قال البخارى: عبد اللَّه والد منير، عن سعد بن أبى ذباب، لم يصح حديثه، وقال على بن المدينى: منير هذا لا نعرفه إلا فى هذا الحديث، كذا قال لى . قال الشافعى: وسعد بن أبى ذباب، يحكى ما يدل على أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بأخذ الصدقة من العسل، وإنما هو شىء رآه فتطوع له به أهله . قال الشافعى: واختيارى أن لا يُؤخذ منه، لأن السُنَن والآثار ثابتة فيما يُؤخذ منه، وليست ثابتة فيه فكأنه عفو.

         

وقد روى يحيى بن آدم، حدثنا حُسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علىّ رضى اللَّه عنه، قال: ليس فى العسل زكاةٌ.

         

قال يحيى: وسئل حسن بن صالح عن العسل؟ فلم ير فيه شيئاً . وذكر عن معاذ أنه لم يأخذ من العسل شيئاً . قال الحُميدى: حدثنا سفيان، حدثنا إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس، عن معاذ بن جبل، أنه أتى بوقص البقر والعسل، فقال معاذ: كلاهما لم يأمرنى فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بشىء .

         

وقال الشافعى: أخبرنا مالك، عن عبد اللَّه بن أبى بكر، قال: جاءنا كتابٌ من عمر بن عبد العزيز رحمه اللَّه إلى أبى وهو بمِنَى، أن لا يأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة. وإلى هذا ذهب مالك، والشافعى .

                  

وذهب أحمد، وأبو حنيفة، وجماعة، إلى أن فى العسل زكاة، ورأوا أن هذه الآثار يُقَوِّى بعضُها بعضاً، وقد تعددت مخارجُها، واختلفت طُرقها، ومرسَلُها يُعضَدُ بمسندها . وقد سُئِل أبو حاتم الرازى، عن عبد اللَّه والد منير، عن سعد بن أبى ذباب، يصح حديثه؟ قال: نعم . قال هؤلاء: ولأنه يتولد من نَوَر الشجر والزهر، ويُكال ويُدَّخر، فوجبت فيه الزكاة كالحبوب والثمار . قالوا: والكلفة فى أخذه دون الكلفة فى الزرع والثمار، ثم قال أبو حنيفة: إنما يجب فيه العُشر إذا أُخِذ من أرض العُشر، فإن أُخِذ من أرض الخراج، لم يجب فيه شئ عنده، لأن أرض الخراج قد وجب على مالكها الخراجُ لأجل ثمارها وزرعها، فلم يجب فيها حق آخر لأجلها، وأرض العُشر لم يجب فى ذمته حق عنها، فلذلك وجب الحقُّ فيما يكون منها.

         

وسوَّى الإمام أحمد بين الأرضين فى ذلك، وأوجبه فيما أُخِذَ مِن ملكه أو موات، عُشرية كانت الأرض أو خراجية .

         

ثم اختلف الموجِبون له: هل له نصاب أم لا؟ على قولين . أحدهما: أنه يجب فى قليله وكثير، وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله ، والثانى : أن له نصاباً معيناً ، ثم اختلف فى قدره ، فقال أبو يوسف : هو عشرة أرطال..


وقال محمد بن الحسن : هو خمسة أفراق ، والفرق ستة وثلاثون رطلاً بالعراقى . وقال أحمد : نصابه عشرة أفراق ، ثم اختلف أصحابه فى الفرق ، على ثلاثة أقوال أحدها : أنه ستون رطلاً ، والثانى : أنه ستة وثلاثون رطلاً .

والثالث ستة عشر رطلاً ، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد ، والله أعلم.


وكان صلى الله عليه وسلم إذا جاءه الرجل بالزكاة، دعا له فتارة يقول : (( اللهم بارك فيه وفى أبله )) . وتارة يقول (( اللهم صل عليه )) . ولم يكن من هديه أخذ كرائم الأموال فى الزكاة بل وسط المال ، ولهذا نهى معاذاُ عن ذلك.

        

◄ نهى المتصدق أن يشترى صدقته

         

وكان صلى اللَّه عليه وسلم ينهى المتصدِّق أن يشترىَ صدقته، وكان يُبيح للغنى أن يأكل من الصدقة إذا أهداها إليه الفقير، وأكل صلى اللَّه عليه وسلم مِن لحم تُصُدِّقَ به على بَريرَةَ  وقال: ((هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ ولنا مِنْهَا هَدِية)).

         

وكان أحياناً يستدين لمصالح المسلمين على الصدقة، كما جهّز جيشاً فَنَفِدَتِ الإبل، فأمر عبد اللَّه بن عمرو  أن يأخذ من قلائص الصدقة، وكان يَسِمُ إبل الصَّدَقَةِ بيده،  وكان يَسِمُها فى آذانها .

         

وكان إذا عراه أمر، استسلف الصدقة من أربابها، كما استسلف من العباس رضى اللَّه عنه صدقة عامين.

               

◄ هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى زكاة الفطر

فرضها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم على المسلم، وعلى مَنْ يَمُونُهُ مِنْ صَغِيرٍ وكَبِيرِ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى، حُرٍّ وَعَبْدٍ، صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ.

         

وروى عنه: أو صاعاً من دقيق، وروى عنه: نصف صاع من بُرٍّ.

         

والمعروف: أن عمر بن الخطاب جعل نصف صاع من بُرٍّ مكان الصاع من هذه الأشياء،  ذكره أبو داود .

         

وفى ((الصحيحين)) أن معاوية هو الذى قَوَّم ذلك، وفيه عن النبى صلى الله عليه وسلم آثار مرسلة، ومسندة، يُقوِّى بعضها بعضاً . 

         

فمنها: حديث عبد اللَّه بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد اللَّه بن أبى صُعير عن أبيه  قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((صاعٌ مِنْ بُرٍّ أوْ قَمْح على كُلِّ اثْنَيْن))  رواه الإمام أحمد وأبو داود .

         

وقال عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث منادياً فى فِجاج مَكَّة: ((أَلاَ إنَّ صَدَقَة الفِطْرِ وَاجِبَةٌ على كُلِّ مُسْلِم، ذَكَرٍ أو أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ سِوَاهُ صَاعاً مِنْ طَعام))  قال الترمذى: حديث حسن غريب .

        

 وروى الدارقطنى من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما، أَن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أمَرَ عَمْرو بْنَ حَزْمٍ  فى زَكَاةِ الفِطْرِ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ. وفيه سليمان بن موسى، وثَّقه بعضهم وتكلم فيه بعضهم .

         

قال الحسنُ البَصرى: خطب ابنُ عباس فى آخر رمضانَ على منبر البصرة، فقال: أَخْرِجُوا صَدَقَةَ صَوْمِكُمْ، فكأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا . فَقَالَ: مَنْ هَهُنا مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ؟ قُومُوا إلَى إخْوَانِكُم فَعَلِّمُوهُم فإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ، فَرضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم هَذِهِ الصَّدَقَةَ صاعَاً مِن تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ، أو مملُوكٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، فلما قَدِمَ عَلىُّ رَضِىَ اللَّه عَنْهُ رَأى رُخْصَ السِّعْرِ قَالَ: قَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْكُم، فَلَوْ جَعَلْتُمُوهُ صَاعاً مِنْ كُلِّ شَىءٍ)).  رواه أبو داود وهذا لفظه، والنسائى وعنده فقال عَلىُّ: أَمَا إذ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْكُم، فَأوْسِعُوا، اجْعَلُوها صَاعاً مِنْ بُرٍّ وَغَيْرِه . وكان شيخنا  رحمه اللَّه : يُقوِّى هذا المذهب ويقول: هو قياس قولِ أحمد فى الكفَّارات، أن الواجبَ فيها من البُرِّ نصفُ الواجب من غيره .

         

◄◄ فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى وقت إخراج هذه الصدقة

وكان من هَدْيه صلى اللَّه عليه وسلم إخراج هذه الصدقة قبلَ صلاة العيد، وفى السنن عنه: أنه قال: ((مَنْ أدَّاها قَبْلَ الصَّلاة، فَهِى زَكَاةٌ مَقْبُولَة، ومَنْ أَدَّاها بَعْدَ الصَّلاة فَهِىَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقاتِ))..

الجريدة الرسمية