رئيس التحرير
عصام كامل

«الكومندنتي».. أيقونة تحدي 11 رئيسا أمريكيا


تباينت ردود الأفعال العالمية إزاء وفاة الرئيس فيدل كاسترو أب الثورة الكوبية، الذي حكم بلاده بيد من حديد وتحدى أمريكا لأكثر من نصف قرن، وكما كانت حياته مثار جدل قسمت وفاته الرأي العام العالمي، فالمؤيد لنضاله وحكمه الطويل أبدى المحبة والحزن العميق لفقدان "الكومندنتي أب الثورة وملهم حركات التحرر"، أما المعارض فأعرب عن "الفرح والشماتة برحيل الطاغية وديكتاتور القرن العشرين"..


لكن يظل كاسترو "أيقونة" تاريخية قاد حركات التحرر والاستقلال من الاستعمار في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، ونجح في تأسيس دولة "شيوعية" قوية على مشارف الولايات المتحدة الأمريكية مركز "الرأسمالية العالمية"، وتحدى خلال نصف قرن من حكمه 11 رئيسا للولايات المتحدة، كما صمد ومعه الشعب الكوبي في مواجهة الحظر المالي والتجاري الذي فرضه الرئيس الأمريكي جون كيندي عام 1962 على كوبا، ولا يزال ساري المفعول حتى الآن ويؤثر بشدة فى الاقتصاد الكوبي رغم التخفيف الذي اعتمده أوباما.

يطوي رحيل فيدل كاسترو الصفحة "الشيوعية" الأخيرة الصامدة في العالم رغم تهاوي القلاع الاشتراكية وأبرزها الاتحاد السوفيتي مطلع التسعينيات، لكن لن ينسى التاريخ قصص ولمحات النضال والإرادة والتصميم وقدرة الشعوب على التحرر والاستقلال بقيادة الزعماء أمثال جيفارا وكاسترو...

ثم معجزات التغلب على مصاعب الانتقال من الحالة الثورية وما يصاحبها من فوضى وارتباك إلى بناء دولة المؤسسات والدستور وحكم القانون، لأن التمادي في الحالة الثورية يقضي على الأخضر واليابس وتضيع بسببه كل المكتسبات وتنتهي معه الدولة نفسها، من هنا نجح كاسترو في تأسيس "كوبا" التي يريد بعد انتصار ثورته، ومع بناء دولة المؤسسات "الشيوعية" التي حكمها بيد من حديد في ظل الحزب الواحد، تمكن من إلهام شعوب أخرى بأفكاره الثورية التحررية المناهضة للإمبريالية وساعد دولها على الانعتاق من الاستعمار.

احتفال المعارضون لسياسة وحكم كاسترو بوفاته، لا يمنع أن العالم كله اعترف بقيمته وقدرته وكونه رمزا ملهما امتد تأثيره إلى أمريكا اللاتينية كلها وبسط ظله على العالم، ورغم الخلافات التاريخية مع أمريكا، فإن الإعلام الأمريكي أفرد صفحات للحديث عن كاسترو الذي كان "مصدر متاعب دائمة لـ 11 رئيسا أمريكيا وكاد أن يدفع العالم إلى حرب نووية، ورغم هذا فهو زعيم ثوري عالمي تجاوز نفوذه كوبا إلى العالم كله حتى وإن كان مارس القمع والديكتاتورية وحول بلاده إلى معسكرات اعتقال".

بعيدًا عن الإعلام الأمريكي المعادي لأسطورة كاسترو، تبارى العالم في نشر لمحات من حياته كنوع من التوثيق لعل من أبرزها أن الزعيم الكوبي يتساوى عدد مؤيديه بعدد معارضيه، وكان عدوًا شرسًا بقدر ما كان يثير إعجاب النساء، ومن أشهر أقواله: «لن أتقاعد أبدًا من السياسة، السلطة عبودية وأنا عبدها»، قبل أن ينأى بنفسه عن الحكم بعد اعتلال صحته وتسليمه الحكم لشقيقه راؤول.

نجا فيدل كاسترو، صاحب الستة وجوه، من 634 محاولة اغتيال، منذ أن دخل العاصمة "هافانا" منتصرًا في عام 1959 بلحيته السوداء الشهيرة والبزة العسكرية مع ثواره الملتحين، على الرئيس المستبد فولجنسيو باتيستا الذي كان في السلطة، وهو الذي لم يخضع لأي تأهيل عسكري ويحمل دكتوراه في الحقوق.. وعندما أعلن فيدل انتصار الثورة الكوبية كانت طيور حمام تحيط به، وحطت واحدة على كتفه ورأى أحدهم حينذاك أنها إشارة خارقة للطبيعة.. ومن يومها لم تتوقف الخرافات عن كاسترو في بلد تمتزج فيه المسيحية بمعتقدات أفريقية.

وبعدما أفشل فيدل المؤامرات التي دعمتها واشنطن، أرسل 386 ألف كوبي للقتال في أنجولا وإثيوبيا والجزائر.. وفي ستينيات القرن الماضي دعم حركات التمرد في الأرجنتين وبوليفيا ونيكاراجوا.. وفي نهاية التسعينيات تبنى سياسة الفنزويلي هوغو تشافيز.. وحاليًا تستضيف كوبا محادثات السلام كولومبيا.

ورغم حيويته وانفتاحه، كان متحفظًا فيما يتعلق بحياته الخاصة، إذ يرى أن "الحياة الخاصة يجب ألا تكون أداة للدعاية أو السياسة"، لكنه تزوج مرتين ورزق بسبعة أبناء من ثلاث نساء.. كما كان متعدد الاهتمامات والمواهب، فكان يستمتع بالطبخ وابتكار الأكلات ويبدي اهتمامًا بالرياضة من السباحة والبيسبول إلى كرة القدم والسلة، وامتدت اهتماماته إلى السينما وأدرك أهمية الصورة وأثرها الاجتماعي، وعنها قال كاسترو: "إن لم نصمد ثقافيًا فلن نصمد اقتصاديًا ولا سياسيًا".
الجريدة الرسمية