رئيس التحرير
عصام كامل

التطرف عدونا الأساسي


كلما قامت فتنة طائفية أو يحدث صدام ديني يسارع كثيرون ليؤكدوا أن الحل هو قانون موحد لبناء دور العبادة، أو قانون خاص لبناء الكنائس.. وقد ظفرنا بعد طول انتظار في نهاية دور الانعقاد الأول لبرلماننا بقانون لبناء الكنائس.. لكن صدور هذا القانون لم يمنع حدوث فتنه طائفية أو صدام ديني جديد، والسبب كان رفض عدد من مسلمي إحدى قرى سوهاج أن يصلي عدد من مسييحيها في مبني غير مرخص ككنيسة، وإنما هو قاعة ضيافة..


وهكذا بدا لنا أن القانون وحده لا يحل كل المشكلات، خاصة إذا كانت هذه المشكلات سببها تفكير خاطئ أو قيم مغلوطة.. نعم القانون الخاص ببناء الكنائس كان ضروريا لينظم بناء الكنائس في ربوع مصر، حيث يمنح للمسيحيين المصريين الحق في أن تكون لهم كنائسهم التي يمارسون فيها شعائر دينهم.. بل لعل هذا القانون تأخر صدوره كثيرا، وكان يتعين علينا إصداره قبلها بسنوات.. ولكن يجب أن نعي أن مشكلة التطرف الديني هي الأصل، والسبب في حدوث الفتن الطائفية والصدامات الدينية.

أخطاء هذا التطرف الديني تسربت إلى داخل نفوس الكثيرين من أبناء مصر خاصة في منطقة الصعيد.. وقيم التطرف الديني استولت على عقول هؤلاء، وهي التي تحركهم وتقودهم إلى الصدامات الدينية..أعرف أن قانون بناء الكنائس يحتاج إلى وقت حتى يتم تفعيله ويفرض نفسه على الجميع.. ولكنني قبل ذلك أعرف أن التطرف الديني متجذر في نفوس كثيرين.. وقد ظهر ذلك بوضوح في واقعة حرق بيت الضيافة بإحدي قرى سوهاج، بدعوى أنه يستخدم مكانا لصلاة مسيحيين فيه، مثلما ظهر ذلك أيضا في واقعة موت أو مصرع المواطن مجدي، الذي تعامل البعض معه كمواطن مسيحي وليس مصريا، بل وطالب الكنيسة بالتجييش للدفاع عن حقه.

تلك هي مشكلتنا الأساسية والتي تؤثر بالسلب أو تعوق تحقيق التعايش المشترك بيننا، في أفضل صورة نرجوها.. والتطرف سواء كان دينيا أو سياسيا أو اجتماعيا هو عدونا الأول، الذي يهدد بالخطر التماسك الوطني الذي ننشده، في ظل إرهاب هو الأكثر وحشية نحاربه، وفي ظل مؤامرات لتقويض كيان دولتنا الوطنية على غرار ما حدث في دول أخرى حولنا وقريبة منا.

ويجب أن نتصدى بقوة لحل هذه المشكلة ليس فقط بتجديد أو تطوير أو حتى تصويب الخطاب الديني، وإنما بزرع قيم المواطنة والمساواة واحترام الآخر والتعايش المشترك محل قيم التطرف والتعصب.. وهذا أمر يحتاج ليس فقط لدور رجال الدين، وإنما لدور رجال الفكر والثقافة وأيضا رجال الدولة.
الجريدة الرسمية