سجناء الكهوف
أفلاطون استخدم تشبيه "سجناء الكهوف" للإنسان، وهو تشبيه أورده في محاورة "الجمهورية" ليوضح للناس علة جهلهم بالحقيقة الموضوعية الخارجية، فهم كمن سكنوا كهفا، وللكهف فتحة على الطريق العام، يدخل منها ضوء الشمس، لكن سكان الكهف جلسوا فيه مشدودين بسلاسل، بحيث تكون وجوههم نحو الحائط الخلفى، وظهورهم نحو فتحة الكهف على الطريق الخارجى، فإذا ما مرت من كائنات من بشر أو حيوان أو أشياء أخرى، ألقى بظلالها على الحائط الخلفى الذي تتجه إليه أنظار سجناء الكهوف، ولما كانت تلك الظلال هي كل ما يرونه طوال حياتهم في جوف الكهف، ظنوا أنها هي كل ما هو موجود من كائنات وحقائق..
واذا حاولت عزيزى القارئ أن تبين لهم وتكشف لهم أن ما رأوه إنما هو ظلال الحقائق وغير حقيقي، خارج كهفهم، طرحت ظلالها أمامهم بفعل أشعة الشمس الساقطة عليهم من وراء ظهورهم، تجد نفسك تنفخ في قربة مقطوعة ويستحيل أن يصدقوا ما يقال عن أشياء لم يراها منهم أحد ولم يسمع.
هكذا الحال بالنسبة إلى كل إنسان يقع أسيرًا لما بث في نفسه من مخزونات فكره وشعوره إلا لمن يتعقل ويتفهم وينظر إلى الأمور بموضوعية ويتخلى عن المصلحة الخاصة لتعم المصلحة العامة ويستمد الحقيقة من الواقع وليس من ظلال كهفه غير متأثر بدوافع الأهواء المخزونة.
فهناك من الناس من يرى الدنيا بعدسات ينكسر فيه مسار الضوء، فتظهر لهم الأشياء منحرفة عن حقائقها وهم لا يشعرون بل مصممون على تطبيق منهج خاطئ بل يطبقون هذا المنهج على المجتمع سواء اقتصاد أو اجتماع أو ثقافة وفى جميع المجالات، ومنهم من جاءت عدسات منظاره أمينة على مسار الضوء في استقامته فيــرى ما يراه على حقيقته الخارجية، وليت هؤلاء أصحاب العدسات الأمينة أن يكونوا قيادات توجه المجتمــع إلى البناء وإلى تأصيل المفاهيم المصرية الأصيلة والى تعمق مفاهيم اندثرت وحل محلها الغوغائية، فهل ينظر إلى أصحاب العدسات الأمينة والتي مصر في أشد الاحتياج إليهم أم يظل أصحاب العدسات المنكسرة يتصدرون المشهد، ومن ثم آثارهم السلبية فى المجتمع وعلى عمر الوطن، فالتاريخ يشهد أن مصر زاخرة وتزخر برجال أصحاب عدسات أمينة أسهموا في بناء مصر، ورجال يسهمون جاهدين الآن في الحفاظ عليها.