رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الدكتور أحمد كريمة عن قانون «الإيجار القديم»: سيئ السمعة ومخالف لشرع الله



  • يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي ويتعارض مع الدستور ويساهم في زيادة أزمة السكن.
  • من لا يستحقون يأكلون أموال الناس بالباطل.


أكثر من 6 عقود مضت على العمل بقانون الإيجار القديم، الذي يؤكد الواقع أنه أنصف طرفا، وغبن طرفا ثانيا، أنصف المستأجر الذي منحه عقارا يقطن فيه نظير جنيهات معدودة غير قابلة للزيادة مع تقادم السنين، ولا تواكب الغلاء الفاحش الذي يتراكم يوما وراء يوم، وظلم المالك الذي تحول بمرور الأيام إلى "إنسان مقهور"، لا يستطيع استرداد "ملكه المسلوب"، حتى أن بعض الملاك قرر تدويل القضية عالميا، بعدما قتلهم اليأس، بسبب قانون بائس موضوف بأنه "سيئ السمعة"، تخشى الحكومات المتعاقبة المساس به، ويراه كثيرون مخالفا للدستور والقانون والشرع الحنيف، ولا يمكن لمنصف أن يدافع عن قانون يمنح من لا يستحق ما لا يستحق، وينزع ممن يستحق ما يستحق، ولا يمكن لعاقل أن يدافع عن مستأجر يستأجر شقة واسعة مترامية الأطراف، في أرقى مناطق القاهرة الكبرى بجنيهات لا تتجاوز المائة شهريا، رغم أن قيمتها الإيجارية السوقية قد لا تقل عن 10 آلاف جنيه شهريا، ولا يمكن لعاقل أن ينحاز لمستأجر يستأجر محلا كبيرا بجنيهات قليلة جدا قد لا يدفعها "أصلا"، في الوقت الذي يتكسب من ورائه الكثير والكثير، وربما كان هذا ما دفع مجلس النواب إلى ضرورة إعادة النظر في هذا القانون في دور الانعقاد الحالى، وتعديله بما يتوافق مع مستجدات الحياة وظروف الواقع الذي بات مغايرا تماما لما كانت عليه قبل 5 أو 6 عقود، ولإنصاف "الملاك الغلابة" الذين أصبحوا يتحسرون على الأيام الخوالى، وفى وقت يمارس فيه بعض المستأجرين عليهم ضغوطا نفسية مؤلمة، متحصنين بقانون أجمع القاصى والدانى على ضرورة تغييره.
فيتو حاورت الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر لمعرفة رأى الدين في هذه الظاهرة.

*من وجهة نظرك هل في الإسلام ما يسمح بتأبيد مدة عقد الإيجار؟
عقود «الكراء» أو الإيجارات الأصل فيها التأقيت، أي أن تكون محددة بمدة معينة، وأن يحدد بها أيضا مقابل المنفعة التي يحصل عليها المستأجر أو المنتفع بالعين، وكل العقود في الشريعة الإسلامية تقبل التأقيت باستثناء عقد الزواج، فالأصل فيه «التأبيد» أي أن يكون أبديا حفاظا على الأسرة والمجتمع، وذلك عند مذاهب أهل السنة والجماعة بعكس مذهب أهل الشيعة الذي يقبل بتأقيت عقد الزواج أو ما يعرف بـ«زواج المتعة».
وكتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم حرمت هذه العقود التي تحرم المؤجر من التصرف في أمواله أو تجعل المستأجر يحصل على أموال بدون وجه حق، فقال الله تعالي: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 29 - 30].
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ».
وحذر «كريمة» المستأجرين من أكل أموال الناس بالباطل، وقال: أقول للمستأجرين «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)».

*كيف ترى قانون الإيجارات القديم؟
قانون الإيجار القديم ظالم ومجحف وسيئ السمعة، وهو ضمن مجموعة من قوانين صدرت في الحقبة الناصرية، وتسببت في ظلم أصحاب الأموال سواء كانت عقارات أو أراضي.
وقانون الإيجار القديم مخالف للشريعة الإسلامية، لأنه جعل المستأجرين يتملكون عقارات وأموالا ليست من حقوقهم، وظلمت المستأجرين.
ومع تغير القوة الشرائية للعملة وفي ظل موجة الغلاء الفاحش، أصبحت قيمة الإيجار ضعيفة جدا أو معدومة، الأمر الذي يحرم صاحب العقار أو المؤجر من حقوقه وماله أو قيمة الإيجار الحقيقية التي تتناسب مع المنفعة التي يحصل عليها المؤجر.

*هل تعرف أن هناك عقارات الآن يبلغ إيجارها خمسة جنيهات؟
هناك عقارات بالفعل في وسط القاهرة مؤجرة منذ ثلاثين عاما أو يزيد طبقا لقانون الإيجار القديم، وإيجارها لا يتعدى عشرة جنيهات في الشهر، الأمر الذي يظلم صاحب العقار في الانتفاع بالقيمة الحقيقية للإيجار، خاصة أن بعض هذه الوحدات ليست شققا سكنية، وإنما محال تجارية تدر على أصحابها أرباحا كبيرة، في حين يحرم صاحب العين الحقيقية من ماله أو الانتفاع به أو أن يحصل على مقابل المنفعة التي يحصل عليها المستأجر.

*البعض يرى أن قانون الإيجارات القديم مخالف للدستور؟
بالفعل قانون الإيجار القديم يخالف دستور 2014، لأن المادة الثانية تنص على أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع» وبمخالفة قانون الإيجار القديم للشريعة الإسلامية فإنه يخالف أيضا دستور الدولة، الأمر الذي يستلزم تحركا فوريا من الحكومة ومجلس النواب وكل الذين يحرصون على إقرار العدل بين الناس، لإلغائه أو تعديله بما يتوافق مع الدستور، وقانون الإيجار القديم باطل ويتعارض مع العدل الذي أقرته الشريعة الإسلامية، وأمر به المولى عز وجل، فقال الله تعالي «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» آية 90 النحل.

*إذن ما الحل من وجهة نظرك؟
يجب على الدولة حل مشكلة الإيجار القديم بشكل تدريجي خلال 3 سنوات عن طريق رفع قيمة الإيجارات، أو تحديد مدة معينة للعقود، وفي هذه الحالة يجوز لصاحب العقار أن يجدد مدة العقد مرة أخرى، أو أن يرفض ذلك ويتم فسخ العقد.
وأشير إلى أن قانون الإصلاح الزراعي ظلم أيضا أصحاب الأملاك، حيث نص على أنه يقتسم المستأجر الأرض مع المؤجر بالتساوى، وجعل من لا يستحقون يحصلون على أموال الناس بالباطل.
والأمل معقود في الله أولا ثم في مجلس النواب المصري من خلال دراسة هذه القضية بكافة أبعادها وتقديم الحلول لها بناء على قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" وإقرار العدل ورفع الظلم عن المؤجرين الذين حرموا من أموالهم وتحقيق العدل وإصدار تشريع ينهي هذه الأزمة.

*كيف ترى الآثار الاجتماعية للقانون؟
قانون الإيجار القديم له آثار اجتماعية سلبية داخل المجتمع المسلم، ويؤدي إلى انتشار الحقد والكراهية والبغضاء في المجتمع نتيجة شعور المؤجر بالظلم من عدم استطاعته التصرف في أمواله، في الوقت الذي يرى فيه المستأجر يتمتع بأمواله ويمرح فيها وينعم بخيراتها.
والشعور بالظلم إذا استشرى في مجتمع أدى إلى خرابه ودماره، وانعدام الاستقرار والسلم الاجتماعي ونقص الإنتاج وزيادة النزاعات والمشاحنات فيه، وقد تصل الأمور إلى ارتكاب الجرائم.
ويجب على الدولة أن تدعم كل امكانياتها من أجل ازالة أسباب النزاع بين الناس وتحقيق الاستقرار المجتمعي ومنها حل أزمة قانون الايجار القديم.
والقاعدة الفقهية تؤكد أن «الإنسان حر في مالة يفعل فيه ما يشاء» ولذلك فإن أي عقد يمنع الإنسان من التصرف في ماله أو يقيده طوال حياته فهو باطل.

*كيف ترى ظاهرة الشقق المؤجرة المغلقة؟
غالبية المستأجرين للوحدات السكنية طبقا لقانون الإيجار القديم يغلقون شققهم في القاهرة وعواصم المحافظات ويحصلون على شقق جديدة في مدن الإسكان الاجتماعي الجديدة مثل التجمع الخامس والعبور، الأمر الذي يحرم المؤجر من الانتفاع بماله من خلال تسكين أبنائه فيها أو تأجيرها للغير بعقود محددة المدة الأمر الذي يساهم في حل مشكلة السكن من خلال زيادة عرض هذه الوحدات في السوق العقاري.
Advertisements
الجريدة الرسمية