ماكيير الشحاتين يكشف أسرار «عالم التسول».. أكياس الدم «شاي وكركديه».. المحاليل «ينسون».. 100 جنيه فيزيتا المرأة و200 للرجل.. والخدع السينمائية بداية مشوار «دكتور الت
«ولد.. أنت بتكلم أكبر خبير للشحاتين في البلد.. بتكلم شخصية.. أستاذ النماذج»، «أنا هطبق عليك نموذج ارحموا عزيز قوم ذل»، جمل لا يمكن نسيانها في دور خالد للكوميديان وحيد سيف أمام عادل إمام بفيلم «المتسول»، الذي ناقش ظاهرة «التسول» في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
الشخصيات التي تم رسمها لم تكن من خيال المؤلف، فعالم الشحاتين قائم بالفعل، ليس هذا فحسب لكن اتضح أيضا أن وحيد سيف أو «الدكتور» ليس صنيعة شطحات مؤلف، فهو موجود يمارس عمله بدقة، يحدد ما يحتاج المرشح للشحاتة لاستعطاف قلوب المواطنين وإخراج الأموال من جيوبهم، بالتحديد هو في القاهرة وفى منطقة البساتين.
لم يكن لقاء محمد زكى عبد اللطيف، ولقبه «الدكتور» بالأمر اليسير، فبعد عدة أسئلة واتصالات معه وموافقته على إجراء الحوار كانت هناك مشكلات أخرى في الوصول إلى المقهى الذي يجلس عليه بمنطقة «العرب» التابعة لحى البساتين.
«الدكتور» يجلس على المقهى بجلبابه وقبعته السوداء ممسكا بيده اليمنى كوب شاي، وعلى وجهه ارتسمت ضحكة تنم عن ارتياحه للقاء، بمجرد الجلوس خلع الرجل لفافة شاش لتصبح يده حرة بعد أن كانت منذ دقائق تشير إلى أنها تقطر دمًا.. يبدو أنه أراد تعمد إظهار مواهبه منذ اللحظة الأولى.
يبدأ «الدكتور» في حديثه المليء بالمفاجآت، ويقول: «شغلتى شغلة مزاج، فأنا بساعد الشحاتين إزاى يبقوا محترفين في التسول ويكسبوا فلوس كتير، بخلى جراحهم تتكلم عنهم».
أولى المفاجآت التي ألقاها «ماكيير الشحاتين» مؤهله الدراسي، حيث كشف أنه حاصل على بكالوريوس علوم من جامعة القاهرة، أما الثانية فكانت عمله في الخدع السينمائية، حيث قضى في تلك المهنة عامين في ستوديو مصر ومدينة الإنتاج الإعلامي، لافتًا إلى أنه عمل أكثر من 19 عامًا في هذا المجال.
ثورة يناير كانت بمثابة «مفترق طرق» في حياة الدكتور، الذي يبلغ من العمر 40 عامًا، فمع اشتعال الأحداث وتراجع الإنتاج السينمائى أصبح «الدكتور» مطالبًا بأن يبحث لنفسه عن مجال آخر للعمل لكن - وفق قوله - آخر ما فكر فيها أن يصبح «ماكيير للشحاتين».
يتذكر بداية القصة، ويقول: «مهنة الشحاتة لا تختارها بإرادتك، خاصة أنه كار مغلق على أبناء المهنة، فالداخل فيه مفقود والخارج مولود، أنا مخترتش المهنة ديه، هي اللى جت لحد عندي، فيه يوم كنت بعمل خدعة لنفسى - جرح في صوابعي- ونازل منه دم، أًصحابى عجبهم المنظر، وواحد منهم كان مسجل خطر عرض عليا إنى أساعد المتسولين أعملهم خدع إصابات وآخد في المقابل فلوس».
أعجبته الفكرة، الحالة المادية «ضنك» وهو يحتاج للفلوس، بدأ العمل في تزييف إصابات بسيطة، وكان يحصل في البداية على 50 جنيهًا لتزييف إصابة طفل و100 للمرأة و200 للرجل، مقابل أن تظل الإصابة ظاهرة لمدة أسبوع.
يعرفه جميع من في «كار المتسولين» مع مرور الوقت، يقول هو بلغة مليئة بالفخر «اتعرفت في الكار باسم الدكتور، وأغلب المتسولين مش من القاهرة بس بل من محافظات مصر كلها أصبحوا زبائنى».
أمام تلك الشهرة لجأ «الدكتور» إلى توسيع نشاطه فشملت «أكياس دماء - إصابات - جروح عميقة - جلد مشوه- حروق في الوجه والأيدى والأرجل- إعاقات».
يسلط الضوء على بعض تلك الكواليس فيكشف أن الذين نراهم يحملون أكياس الدم هو في الحقيقة «مكركروم» وأحيانًا «شاى وكركديه ومطهر البيتادين»، أما المحاليل التي يعلقها المتسول فتحمل بداخلها «ينسون» أو «نعناع» ولونا صناعيا.
شكل الإصابة تحددها الشخصية، وهو أمر آخر يوضح «الدكتور» الذي يصف الأمر باللوحة أمام فنان فيفكر ما أنسب الألوان، ويقول: الأمر هنا مختلف فما الأنسب هل بكسر رجل أو قطع يد واستخدام أطراف صناعية يصنعها من «الكرتون» و«قماش» معين مع ألوان وأدوات خاصة لتعطى المشهد المطلوب، ويظل المتسول يتدرب عليها لمدة 4 أيام
فضول «الدكتور» دفعه ذات يوم إلى التسول بنفسه للتجربة فقط واختار خدعة في ذراعه فكان أول حصيلة له 500 جنيه، ما دفعه إلى تكرار الأمر حتى ألقت قوات الشرطة القبض عليه من محطة غمرة ليقرر البعد عن الأمر، طوال الحديث بدا في النهاية أنه غير راضٍ، مؤكدًا أنه يتمنى عودته مرة أخرى للسينما قائلًا: «بدل مرمطة الأقسام، وربنا يرزقنا بالحلال».