رئيس التحرير
عصام كامل

نهاية دبلوماسية «إدارة الظهر» بين القاهرة والرياض.. «السيسي» رفض طلبا جديدا بإرسال قوات برية إلى اليمن.. ولي ولي العهد السعودي رد بوقف الإمدادات البترولية


>> مخاوف من الاستيلاء على "باب المندب" وتحول اليمن لـ«فيتنام عربى».. وقمة رفيعة المستوى قريبا لإعلان المصالحة
>> غضب من محاولة "بن سلمان" دفع مصر لطابور التبعية.. ورفض قاطع لحصار "المحروسة" اقتصاديا


تدخل الحكماء قبل أن يتحول الخلاف بين مصر والسعودية إلى صراع إقليمي، جهود ووساطة قادتها دول خليجية بدأت بالإمارات ووصلت إلى الكويت وانتهت بالبحرين، عقب ذلك ظهرت بوادر وساطة لوأد الخلاف أبرزها زيارة وزير خارجية مصر الأسبق وأمين عام جامعة الدول العربية الحالى أحمد أبو الغيط إلى الرياض في محاولة لترميم شرخ جدار العلاقات، وانتهت بمطالبة ثعلب الدبلوماسية الإقليمية عمرو موسى بإنهاء الأزمة، محذرًا من مخاطر المشاريع المتصارعة على امتلاك زمام المنطقة –تركيا وإيران- في ظل التنافر بين القاهرة والرياض.

بداية الخلاف
منذ شهور بدأت ملامح الخلافات في وجهات النظر بين الطرفين تظهر على استحياء في وسائل الإعلام، في البداية أنكرتها الدوائر الدبلوماسية الرسمية ووضعت مساحيق التجميل على وجه شوهته نيران الفرقة وتضاد المصالح الإقليمية بين أكبر عاصمتين في المنطقة العربية.

لتفسير حقيقة الخلاف الذي لم يعد مكتومًا ومستقبل العلاقات بعد وقوف الطرفين على عتبة الفراق، طرحت “فيتو” السؤال الصعب الذي لم يقدم له أحد إجابة وافية حتى الآن “ماذا يحدث بين مصر والسعودية؟” الإجابة التي جاءت على لسان مصدر عربى مطلع حملت شرحا وافيا لحقيقة الخلاف ومستقبله بعد تدخل أطراف إقليمية.

انفجار الخلاف
في البداية، أكد المصدر أن ما أشيع في وسائل الإعلام حول وقوع الخلاف بسبب تصويت مصر لصالح مشروع القرار الروسي رغم أنه جانبه الصواب فإنه ليس الحقيقة الكاملة، خصوصًا أن السعودية على قناعة راسخة بثبات الموقف المصري بشأن الأزمة السورية وتمسكها بضرورة الحفاظ على وحدة أراضيها في ظل مخاوفها من تفكك البلاد هناك وسقوطها دويلات في قبضة ميليشيات إسلامية مسلحة تهدد الأمن القومى المصري بشكل مباشر مستقبلا، وما حدث عقب واقعة التصويت في مجلس الأمن كان مجرد ذريعة لاتخاذ خطوات عقابية.

حرب اليمن
الخسائر التي تكبدتها المملكة خلال الأشهر الأخيرة على الحدود اليمنية، سبب خروج الخلاف إلى العلن بحسب المصدر، بعدما رفضت القاهرة مجددًا طلبًا من المملكة بإرسال قوات برية للمشاركة في القتال ضد ميليشيات الحوثى وعناصر الجيش الموالية للرئيس السابق على عبدالله صالح، خصوصًا أن الرياض تعرضت لخديعة من دول التحالف العربى وعقب ذلك انسحبت أمريكا، الأمر الذي دفع السعودية إلى تكرار الطلب من مصر بناءً على نصيحة قدمها أمير قطر تميم بن حمد إلى الأمير محمد بن سلمان ولى ولى العهد ووزير الدفاع.

الرفض المصري بحسب المصدر، أثار غضب السعودية ودفعها إلى اتخاذ خطوات تصعيدية ضد القاهرة، بدأت بإصدار الأمير محمد بن سلمان تعليمات لشركة “أرامكو” عقب أزمة التصويت على القرار الروسي بإيقاف شحنات النفط المخصصة لمصر.

تحريك الخليج
قرار منع شحنات النفط أيضًا، صاحبه مطلب سعودي من العواصم الخليجية هو فرض عزلة اقتصادية على القاهرة، وفى بداية الأمر انصاعت بعض العواصم لهذا المطلب لكن مع مرور الوقت تخوفت دوائر عربية من خروج مصر من السرب العربى، وبحثها عن مصالحها الشخصية وكسر الحواجز بينها وبين إيران بعدما ظلت لعقود طويلة محافظة على إيقاف هذه العلاقات عند الحد الذي يحمى مصالح الأمن العربى، ويضع أمن الخليج على رأس سياستها الخارجية.

وعندما استشعرت دول الخليج خطورة التصعيد ضد النظام المصري بهدف معاقبته أو إجباره على السير في ركبه، اضطرت إلى التدخل بشكل مباشر على خط الأزمة لتهدئة الأطراف.

صراعات عربية - عربية
قرارات الأمير محمد بن سلمان وحلمه في قيادة المنطقة، أدخل الرياض أيضًا في خصومات مكتومة مع عدد من الدول العربية بينها سلطنة عمان التي تخشى دبلوماسيتها من انهيار التحالف الخليجى الصلب، بسبب المعارك الإقليمية، وطالت أيضًا الإمارات التي تعرضت لخيانة في اليمن على يد جماعة الإخوان وصلت لحد تسهيل قصف قواعدها العسكرية ومعسكرات جنودها هناك.

الأمر أيضًا بحسب المصدر امتد إلى الكويت التي حذرت من استمرار المعارك، ونادت بضرورة الانصياع لصوت العقل السياسي والخروج من هذا المستنقع وشعرت بالخوف أيضًا على المملكة بصفتها كبيرة دول التعاون من جرها لمستنقع حرب جديد في سوريا على يد الأتراك والقطريين.

إنهاء الخصومة
المخاوف الخليجية من التصعيد ضد النظام المصري، والإصرار على اختطاف دور القاهرة ووضعها في طابور التابعين، دفع أمير الكويت وولى عهد أبو ظبى وملك البحرين إلى فتح اتصالات مباشرة مع الملك سلمان لتهدئة الموقف وشرح أبعاد خطورة استمرار الخصومة بين مصر والسعودية في ظل تعرض المنطقة لأكبر هجمة في تاريخها.

انتخاب الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب، سهل مهمة وسطاء التهدئة ودفع القيادة السعودية إلى سماع صوت العقل الخليجى والدبلوماسي، خصوصًا بعد استشعار الكبار خيانة أمريكية في الأزمة اليمنية والسورية، وبدأت تظهر أصوات غربية تتهمها بشكل مباشر في تمويل الجماعات الإرهابية في سوريا، وارتكابها جرائم حرب في اليمن.. وهى جميعها أمور تسهل اصطيادها كفريسة إقليمية جديدة في عهد الجمهوريين القادم مع توفر مناخ مناسب خلقه قانون “جاستا”.

تفاصيل الوساطة
الوساطة العربية والدبلوماسية بحسب مصادر “فيتـــو”، أعادت تذكير المملكة بمخاوف مصر من تفكك الدولة السورية وتحويلها إلى بقع متصارعة تهدد الأمن القومى العربي قبل المصري مستقبلا، كما نفت تمسك الإدارة المصرية ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه كما تزعم بعض الأصوات، وما تهدف إليه بشكل مباشر هو بقاء دولة المؤسسات وأنه نقلت ذلك لرئيس المخابرات السورية على مملوك وطالبته بضرورة سماح القيادة السورية بفتح قنوات اتصال مع المعارضة بهدف تشكيل حكومة انتقالية وترك قرار بقاء الرئيس من عدمه لخيارات الشعب السوري.

الاستيلاء على باب المندب
أيضًا مخاوف القاهرة من استمرار حرب اليمن، وتكرار سيناريو العراق بفتح الأراضى اليمنيــة للإيرانيين في ظل حالة العداء للكل ضد الكل، وخصوصًا مع استشعار الأجهزة المصرية بمؤامرة أمريكية تحاك على “باب المندب” تنتهى بوضع حاملات الطائرات وتحول البحر الأحمر إلى قاعدة عسكرية تتحكم فيه واشنطن ويسهل لها مستقبلا فرض حصار بحري على الدول العربية المطلة عليه بما فيها السعودية.

وجهة النظر المصرية الرافضة للمشاركة في الحرب على اليمن، بيَّنها أيضًا الوسطاء، بأنها لا ترمى لعناد مع المملكة بقدر ما هي حصانة من سقوط جميع الدول العربية في خانة العداء مع المتحكمين بالداخل اليمنى، وخطورة تغييب الصوت العربى هناك، وترك القضية برمتها في يد الغرب يتلاعب بالجميع داخليا وخارجيا ويسوق جيوش المنطقة إلى فيتنام عربى.

مصالحة حتمية
وأشار المصدر إلى أنه حسبما تسرب في الدول العربية حول جهود المصالحة، أن هناك انفراجة وشيكة على هذا الصعيد خصوصًا بعد قناعة القيادة في الرياض بخطورة المرحلة الراهنة وضرورة وجود مصر كشريك إقليمى وليس تابعًا يسهم في لملمة قضايا الدول العربية المبعثرة.

العواصم الخليجية أيضًا نقلت رسالة إلى القيادة السعودية مفادها استحالة التخلى عن القاهرة التي تمثل حصنًا منيعًا أمام الأطماع الإيرانية وذكَّرت بتاريخ الموقف الدبلوماسي المصري الذي أصر على وضع خطوط سياسية حمراء لطهران ورفض رفع مستوى التطبيع الدبلوماسي والتجاري معها بالرغم من قيام عواصم الخليج المعنية بهذا الأمر دون خجل من القاهرة التي تتصدى لقضية لصالح الأمة العربية، ورفضت الإقدام على الخطوة بالرغم من العروض الاقتصادية التي تلقتها في ظل انفجار الأزمة مع الرياض، وعملت إيران على مغازلتها بعرض الشراكة الإقليمية في جميع الملفات.

وباتت الترجيحات الآن أقرب إلى إنهاء مرحلة دبلوماسية "إدارة الظهر"، وتنسيق العمل العربى المباشر بين الطرفين، وسط توقعات بزيارة رفيعة المستوى يقوم بها هذا الطرف أو ذاك للإعلان رسميًا عن طي الخلاف بقمة رفيعة المستوى تفوت الفرصة على المتربصين.. ولم يستبعد المصدر وجود موجات شد وجذب خلال الفترة المقبلة لكنها سوف تنتهى في نهاية المطاف بوقوف الطرفين على عتبة التفاهم.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية