رئيس التحرير
عصام كامل

Her mother's daughter.. فيلم إنساني ينقصه إحساس الممثل


في دولة "بوركينا فاسو" الأفريقية، حيث الأجواء التي تشبه مصر كثيرًا، تبدأ أحداث فيلم Her mother's daughter، الذي شارك في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ38، فبمجرد أن تتجول الكاميرا داخل منزل بطلة الفيلم تشعر حقًا أنك داخل منزل مصري من منازل الطبقة المتوسطة، بكل التفاصيل التي ظهرت في الكادر طوال مدة الفيلم.


ومن مأساة البطلة "عايدة" تنطلق الأحداث، فهي فتاة في مرحلة المراهقة وتعيش مع والدها ووالدتها في جو أسري متناغم ومستقر، وخلال الأحداث يتضح أن البطلة تميل إلى والدتها بدرجة أكبر، وبينهما ثقة متبادلة، وتتطور الأحداث وتكتشف الأم أن زوجها على علاقة مع فتيات من عمر ابنتها، وتقع تحت أيديها صور له مع فتيات في أوضاع مخلة، وتقرر أن تعرض تلك الصور على "عايدة" والتي تتفق مع والدتها على عقاب والدها، ومنذ تلك اللحظة تبدأ الابنة في معاملة والدها باحتقار في الوقت الذي تلتزم فيه الأم بالاتفاق مع ابنتها أيضًا.

المخرج "سيرج أرميل ساوادوجو" وزميلته في الإخراج "كارين بادو" نجحا في إيصال فكرة تؤكد أن التسامح والغفران يتوقف على قدرة الإنسان على ذلك خاصةً إذا كان الخطأ من عزيز على قلبه ويفترض أنه محل ثقة، كما حدث مع "عايدة" فقد أخطأ والدها في حقها عندما سمح لنفسه أن يقيم علاقة مع فتيات في عمرها، وكان بديهيًّا عندما تقع تلك الصور في أيديها أن تهتز صورة والدها في نظرها وتتحطم، لدرجة أنها قالت في حوار لها ضمن أحداث الفيلم عندما فاجأتها والدتها بتبرأ والدها منها، "والدي تبرأ مني لقد كنت أظن أنه مات"، في تعبير بالغ القوة والدلالة عن مدى صدمتها في والدها، وفي موقف آخر قالت "هل يجب على الفتاة التي يغتصبها والدها أن تسامحه"، في إشارة قوية لموت والدها في نظرها، وينبغي هنا الإشادة بدور الحوار في الفيلم فقد جاء قويًا ومعبرًا في جمل حوارية كثيرة ضمن سياق الأحداث.

كاميرا المخرج استخدمت أسلوب الرمزية في عدد من المشاهد، ومن أهمها مشهد طلب والدة عايدة منها أن تغسل ملابسه وتحديدًا "البنطلون"، وذلك رمز واضح لسلطة الأب وذكورية المجتمع وقهره للمرأة، ومشهد آخر ظهر خلاله والدها أيضًا وهو يرتدي ملابسه بطريقة تشبه الاستعداد للأعمال القتالية أو سباق الجري، وهو رمز مقصود للدلالة على الخطر وسباق الزمن من أجل منع ذلك الخطر، فالأب طوال الأحداث يلهث وراء هدف واحد وهو إنقاذ أسرته من الدمار ومحاولة إعادة الأمور لطبيعتها بينه وبين زوجته وابنته.

الموسيقى التصويرية طوال أحداث الفيلم كانت الوسيلة الأقل تأثيرًا فيفترض في مشاهد مؤثرة مثل مشهد بكاء "عايدة" أمام منزلها أن تلعب الموسيقى دورا مهما وتساعد البطلة على إيصال الإحساس بالضياع والحزن والصراع، لكن ذلك لم يحدث.

أما بالنسبة للتمثيل، فقد ظهر الجميع بمستوى جيد، لكنه غير كاف خاصةً أن قصة الفيلم تلعب على وتر الإحساس والمشاعر المختلفة وكان يفترض أن تعبر عين الممثل بصورة أفضل من ذلك وأن يندمج الجميع بإحساسهم وخاصةً البطلة بصورة أقوى وتحديدًا في مشاهد البكاء والحزن والضياع والوحدة، ولا يكفي أن تصمت أو تنظر باحتقار لوالدها فحدة الانفجار مطلوبة أحيانًا.

الرسالة هي أقوى ما في الفيلم فرغم أن البطلة تحطمت صورة والدها في نظرها، إلا أنها لجأت إليه في النهاية عندما قررت والدتها مغادرة البيت لكي ينقذ الأسرة وهنا في تلك اللحظة شعرت البطلة أن الأمور يمكن أن تعود لطبيعتها وأنها قادرة على فتح المجال للغفران والتسامح مع والدها حتى لا تشعر بالوحدة في النهاية وتعيش بمفردها في وضع أشد قسوة فالوحدة إحساس لا يقارن بشيء مهما كان، والرسالة المهمة أيضًا للفيلم أن الأب يجب أن يُحترم حتى إذا أخطأ؛ لأنه في النهاية سر وجود الابن في الحياة ويستحق منه ذلك الاحترام.

نهاية الفيلم جاءت منطقية وطبيعية وبعيدة عن الافتعال، فليس من البديهي أن تنتهي دائمًا الأفلام بتلك النهاية السعيدة بنسبة 100%، فالحياة ليست كذلك، وما حدث أن البطلة "عايدة" نجحت أن تجعل علاقة والدها ووالدتها طبيعية مرة أخرى بعد أن اختارت أن تغفر لوالدها وتسامحه وتسمح له أن ينقذ الأسرة ويجمع شملها، لكنها في نفس الوقت مازالت تعاني من آثار المشكلة مع والدها والتي لا يمكن أن تنتهي ببساطة على أي حال ومازالت أيضًا تعاني من الوحدة والصراع الداخلي وبدا ذلك في مشهد النهاية عندما توجه والدها ووالدتها في نزهة بالدراجة ووقفت هي وحيدة أمام المنزل، وتلك إشارة من المخرج إلى أن آثار المشكلة تحتاج وقتًا حتى تعالج مثل الجراح التي تحتاج وقت حتى تلتئم.
الجريدة الرسمية