الإعلام والعدالة الاجتماعية
في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر تفرغ بعض الإعلاميين لتفسير كيف يمكن "للإصلاح الجريء أن يقصر الطريق"، في حين نقلت الصحافة العالمية كيف ضربت الأزمة الاقتصادية طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة وقطاع الأدوية.
صحيفة النيويورك تايمز نشرت تقريرا عن اعتراض طلاب الجامعة الأمريكية على قرار الجامعة بزيادة المصروفات 40% بعد تحرير سعر الصرف، ونقلت عن مالك رستم نائب رئيس اتحاد الطلاب قوله "إنه إذا كانت طبقة الصفوة غير قادرة على تحمل الأزمة الاقتصادية، فإن ذلك يعني أن البؤس في كل مكان"، وأضاف إذا كنا غير قادرين على التحمل ما يحدث هنا، فيمكننا أن نتصور حجم معاناة الآخرين".
أما وكالة رويترز فنشرت تقريرا عن تأثير ارتفاع الدولار على المستلزمات الطبية، وعن غضب الناس لهذا السبب.
لا توجد مؤشرات اقتصادية تقول "كيف سيكون طريق المعاناة الاقتصادية أقصر على الناس وحياتهم"، لكن الخوف أن تمتد الأزمة الاقتصادية، إن لم تكن امتدت فعلا، لتزيد من معدلات الجريمة المرتفعة أصلا. فتقرير الدكتور عادل عامر، عن معدلات الجريمة في مصر عام 2015، والذي نشره موقع الزمان المصري مفزع في كل شيء.
يقول التقرير إن عدد جرائم القتل العمد زادت في عام 2015 حيث سجلت 1885 جريمة قتل عمد مقارنة بــ 774 في عام 2104، وارتفاع جرائم سرقة المساكن إلى 9284 جريمة مقارنة بـ7368 جريمة في عام 2014. كما أن التقرير أشار إلى ارتفاع معدلات الجرائم بشكل عام وبخاصة القتل والسرقة بالإكراه وسرقة السيارات؛ وتصاعدت حوادث الجنايات بصفة عامة؛ إذ سجلت 5814 في عام 2015 مقابل 2778 في عام 2014. معدلات الجريمة مرتبطة بالفقر وبالنمو الاقتصادي، فهل وضع الخبير الاقتصادي الذي اتخذ قرار تحرير سعر الصرف، تأثير ذلك على أمن المجتمع، وسلامته الاجتماعية وليس فقط الاقتصادية؟
أيًا كانت رؤية خبير الإصلاح الاقتصادي الذي اتخذ قرار تحرير سعر الصرف؛ لتوفير العملات الأجنبية وبخاصة الدولار، فإن الإعلام عليه أن يترك المعارك الشخصية بين الإعلاميين ويركز على العدالة قضايا العدالة الاجتماعية والأمن، ويمكن أن يحدث ذلك من خلال زيادة المساحة المخصصة لبرامج مشكلات وقضايا الناس. زيادة المساحة المخصصة للمراسلين بدلا من الضيوف، يمكن أن تنعكس بالإيجاب أيضا على كمية القضايا التي تتعلق بمشكلات الناس.
تلجأ معظم القنوات إلى أسلوب استقبال المكالمات والمداخلات، بالإضافة إلى الاتصال بالمسئولين، ورغم أهمية الوسيلة فإن نقل الصورة مباشرة أو مسجلة أفضل من المكالمات الهاتفية، تحتاج القنوات التليفزيونية إلى استضافة وزراء أو وكلائهم، ليس بهدف التعليق على القضايا، ولكن بهدف المساهمة في حل بعض المشكلات التي يمكن أن يحلها.
يمكن لبعض مقدمي البرامج الدعوة لتبنى بعض المشروعات الصغيرة، أو المساهمة في دفع بعض العجلات الواقفة. مساهمة الإعلاميين في حل مشكلات الناس ليست بالفكرة الجديدة، وهناك من الإعلاميين ممن قدم برامج تدور فكرتها حول محاولة نقل معاناة الناس، كان آخرها برنامج الإعلامي عمرو الليثي الذي توقف بعد فيديو سائق التوتوك. لن يتمكن الإعلام من تحقيق الأمن في المجمتع لكنه يمكن أن يساعد على زيادة الشعور بالأمان من خلال مراقبة أداء الأجهزة الأمنية.
ليس مطلوبا من الإعلام أن يحشد ويجيش لدعم بعض قرارات مؤسسات أو أجهزة الدولة، ويجب عليه ألا يتوقف عن النقد على منهج حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "فلتقل خيرا أو لتصمت". فهناك ثلاثة أنواع من الإعلاميين: إعلاميون عاشوا، وتعودوا، وسيطروا على مناصب إعلامية خلال العقود السابقة، فصار النقد لديهم من مثيرات الفتن وتكسير الهمم.
وإعلاميون أصبحوا منذ نعومة أظافرهم مندوبين لدى السلطة التنفيذية في المؤسسات الإعلامية، أما الفريق الثالث فهم إعلاميون يحاولون أن ينقلوا قضايا الناس ومشكلاتهم، ويعبرون عن هموم الناس، وينتقدون القرارات الخاطئة لمؤسسات وأجهزة الدولة، وهم أكثر الإعلاميين تضررًا من الاتهامات بنشر الإحباط والتشاؤم، هذا الفريق من الإعلاميين دائما ما يتلقى اللوم وكأنهم المسئولون عن وصول سعر الدولار لـ17، وأزمة السكر، ونقص المستلزمات الطبية.