رئيس التحرير
عصام كامل

إنهم ينفخون المنطاد!


في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي خرجت الدعاية الرسمية البريطانية لتُعلن عن أكبر وأضخم وأقوى "منطاد" في التاريخ والذي سيقطع رحلته الأولى من لندن إلى القاهرة في وقت قياسي، وصرح وزير الطيران البريطاني –آنذاك- بأن فرصة سقوط ذلك المنطاد واحد في المليون.. ونتيجة الدعاية المكثفة لم يشعر الطاقم بحاجة إلى مظلات الهبوط الاضطراري فتخلصوا من وزنها ووضعوا بدلًا منها براميل الخمور اللازمة للاحتفال بالإقلاع التاريخي للمنطاد، ويبدو أن الإنجليز وقتها لم يكونوا قد تعلموا من فاجعة غرق سفينة "تيتانيك" التي حدثت لهم قبل عقدين ووصفتها الصحافة حينها بغير القابلة للغرق.


عندما احتشدت الجماهير انتظارًا لصعود وزير الطيران للمنطاد كان الأخير يكتب وصيته لعلمه أن القوة المزعومة للمنطاد لا تخرج عن كونها دعاية مقصودة للترويج لإنجازات الإمبراطورية البريطانية وأن احتمالية سقوط المنطاد قائمة، وبعد وقت قصير من بدء الرحلة احترق المنطاد ليموت الوزير ومعه معظم الركاب، وفي العام نفسه الذي تهاوى فيه المنطاد من سماء أوروبا وُلد الشاعر السوري "أدونيس" صاحب قصيدة (لم يعد غير الجنون)، والذي قال فيها: "رأيت التاريخ في راية سوداء يمشي كمنهزم".

ولأننا نرغب فيما هو أفضل من الجنون، أو هزيمة التاريخ، نأمل أن يتوقف بعض الإعلاميين عن التعامل مع القرارات التي تصدر عن الدولة بطريقة "نبطشي" الأفراح الشعبية الذي يصرخ في الميكروفون لترقص المعازيم ويتم تجميع "النقطة" لتوزيعها لاحقًا على مشاهدي البرامج الحوارية، أو بطريقة "الندابة" التي تلزمها مهنتها بإشاعة الحزن والكآبة وتحطيم أعصاب مستمعيها حتى يفقدوا الأمل.

ويبدو أن "غراب زيوس" غادر جبل "الأوليمب" واستقر في مصر، والقصة تعود للقرن السادس قبل الميلاد حين روى الفيلسوف الإغريقي "أيسوب" أن "زيوس"، كبير الآلهة، أراد تعيين ملك للطيور، فقام الغراب بجمع ريش طيور أخرى ولصقه على جسده كي يبدو أنيقًا زاهيًا ويخدع "زيوس"، وعندما استعرض الأخير طابور الطيور كاد أن يجعل من الغراب ملكًا عليهم بالفعل، لولا سقوط ريشه المصطنع وعودته إلى حقيقته، غرابًا خفيف الوزن والريش.. والعلم المصري يضم "نسر صلاح الدين" القوى بما يعكسه من انتصارات عربية وقدرة على تجاوز الصعاب وليس "غراب زيوس" المخادع بما يمثله من نذير للشؤم، ولسنا في حاجة لمن يضع علينا ريشًا زائفًا ويصورنا ملوكًا لطيور العالم فيثقل حركتنا أو من ينزع عنا قدراتنا ويحبطنا بينما نبني الدولة، فتوقفوا عن الاحتفاء بالمنطاد ولا تحرقوه بأيديكم قبل إقلاعه، وإن كان المنطاد يحتاج إلى "النفخ" فنحن لسنا في حاجة إلى ذلك!
الجريدة الرسمية