رئيس التحرير
عصام كامل

عم إسماعيل لم يعد مستورا يا حكومة


منذ عدة أيام حضر إلى عم إسماعيل وهو رجل طيب مصري أصيل يعمل بالصوامع وراتبه كموظف بسيط محدود جدًا، لكنه كان يعتمد على الله ويتجلد ويعيش هذه الحياة لا يرغب سوى في الستر، ورغم مسئولياته الضخمة، حيث إن له ابنة مطلقة من زوجته السابقة، وهذه الابنة لديها طفلة صغيرة وتعيش في شقة بالإيجار، وتعمل كعاملة في مصنع وراتبها من العمل لا يكفي إيجار الشقة وإعالة نفسها وابنتها الطفلة التي في حاجة لعلاج بصفة مستمرة، فكان لزامًا على عم إسماعيل أن يقف بجوار ابنته تلك ويسهم في إيجار شقتها..


كما أنه يعيش مع أسرته المكونة من ابنة في معهد تجاري -قدر الله أن تصاب في حادث سيارة استلزم أن تعمل عمليات متنوعة لتركيب مسامير- فبجانب احتياجاتها كطالبة تحتاج إلى علاج مستمر، وله ابن في المدرسة الصناعية وابنة صغيرة في الابتدائية، بجانب زوجته التي تعاني من بعض أمراض في الشبكية، كل ذلك يحمل همه عم إسماعيل، ورغم ذلك كنت كلما صادفته وسألته عن الأحوال حمد الله دون أن يشكوا، وكان عم إسماعيل من أشد الداعمين للرئيس السيسي بخاصة عندما استمع إليه أكثر من مرة يظهر انحيازه التام للفقراء ومحدودي الدخل..

كان عم إسماعيل من المجموعة الرئيسية التي خرجت معي في ثورة 30 يونيو ضد ضياع الدولة على يد مجموعة الإرهابيين العملاء، وكلما تحدثنا عن مصر في عهد الرئيس السيسي كان يمتدح الوضع ويرجو الخير ويهاجم من يتجرأ وينتقد الرئيس السيسي لأي سبب، لكن عندما حضر لي عم إسماعيل هذه المرة لم يكن هو عم إسماعيل الرجل الذي أعرفه بل وجدت إنسانًا يكسو وجهه الهم والحزن، يكاد يذوب خجلا بعدما سألته عن أحواله، فوجدته يخرج لي بعض الأوراق التي تثبت أحوال ابنتيه المطلقة والمريضة، ووجدت دمعة تنحدر من خديه عندما طلب مني أن أحاول أن أجد لهما أي دخل إضافي عن طريق الجمعية الخيرية التي أشرف برئاستها، أو عن طريق أولاد الحلال..

لم يعد يطيق عم إسماعيل أن يحمل ذلك الحمل خاصة بعد قراري الحكومة بتعويم الجنيه ورفع أسعار البنزين مما جعل قيمة الجنيه تقل بنسبة 48% والأسعار صارت تلتهم دخله البسيط أصلا؛ الأمر الذي جعله لأول مرة يسأل الناس في حياء شديد وحزن مميت، وعندما سألته عن أحواله بعد هذين القرارين لم يشأ عم إسماعيل أن ينتقد الرئيس السيسي لكنه قال لي: "يا أستاذ سيبها على الله مكنش العشم أبدًا أن الرئيس يعمل كده ربنا يعينه برضه".

أحسست وقتها بطعنة نافذة فما البرنامج الذي يحمي أمثال عم إسماعيل من السؤال بعد القرارين الأسودين دون حماية ممكنة، بل تفكر الحكومة بعد أن رفعت أسعار التموين في إخراج مثل عم إسماعيل من التموين، بحجة أنه يتقاضى راتبًا قد يصل إلى 1500 جنيه، وحتى إن لم تخرجه الحكومة فستكون المرحلة الثالثة كما صرح سيادة رئيس الوزراء في التحول للدعم النقدي أي أن تعطي أمثال عم إسماعيل 100 جنيه مثلا ليصارع وحده الحياة ويتحول إلى شحاذ رسمي..

كانت صدمة عم إسماعيل كبيرة في تلك الحكومة بمعنى أدق عشمه خاب.. كما كانت صدمتي كذلك بمثل صدمة عم إسماعيل، فمن المعروف أن الإصلاح الاقتصادي الذي لا بد منه طبعًا لا يمكن أبدًا أن يكون على حساب الطبقة البسيطة مثل عم إسماعيل وأمثاله، بل كان يجب أولا وضــع نظام حماية لهم ثم البدء في الإصلاح..

وحتى يتحمل عم إسماعيل وأمثاله ما وصل إليه وضعه فكان عليه أن يرى أولا الحكومة وقد اتخذت بعض الخطوات الجادة ومنها التقشف الحكومي الحقيقي الذي يظهر من خلال إلغاء بند المستشارين الذي يكلف الدولة مليارات الجنيهات، وإلغاء أساطيل السيارات الحكومية التي تخدم الوزراء وحتى المديرين العموم، وإلغاء البذخ الحكومي من خلال الاجتماعات والمؤتمرات وتجديدات المكاتب وتركيب ملايين المكيفات، وصرف بدلات عجيبة بقيم تتجاوز الملايين، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي الخارجي الذي يكلف الدولة مليارات الجنيهات، والاستفادة من العقارات الحكومية الضخمة التي يستولي عليها البلطجية أو المهملة، وجمع أموال الدولة من الذين بنوا على الأرض الزراعية ولم يغرموا شيئًا..

ورغم محاولة مناقشة هذه القضية في مجلس الشعب منذ شهر فإن الأمر نام بفعل فاعل وهم الأعضاء أنفسهم إرضاء لمن بنى على الأرض الزراعية من أهالي دوائرهم، ولو أن الحكومة جمعت الغرامات من هؤلاء لبلغت المليارات، كما أن الحكومة غير جادة في معالجة قضية سرقات الكهرباء سواء في المنازل أو من المقاهي والتجمعات غير القانونية والحكومة غير جادة في سياسة التقشف أصلا، ولا يوجد مسئول مستعد أن يتقشف من أجل الدولة..

لو أن عم إسماعيل وأمثاله وجدوا الحكومة الرشيدة بدأت بنفسها وجمعت ما للدولة من حقوق وفرضت ضريبة تصاعدية على الأغنياء وعلى البورصة وعاملت رجال الأعمال بالعدل وأخذت منهم حقوق الدولة أولا بدلا من أن تدعمهم وتدللهم للصبر مع الحكومة لكنه وجد أن الحكومة تقوم بتقديمه هو وأمثاله قربانًا لصندوق النقد الدولي، وتخلصًا منه لصالح الأثرياء لذا لم يجد ما يستر به أسرته، ولم يجد من يدافع عنه في ظل غياب مجلس النواب وبدأ في السؤال ولعم إسماعيل وأمثاله أقول: لكم الله.. لكم الله.
الجريدة الرسمية