رئيس التحرير
عصام كامل

حتمية المصالحة الوطنية لترميم ما أفسده الربيع العبري !!


لم يعد هناك شك في أن الحراك الشعبي العربي الذي انطلق في نهاية 2010 بتونس وبداية 2011 في مصر ثم تبعه في ليبيا واليمن والبحرين وسورية، كانت له مبرراته في بعض الدول ولم يكن له أي مبرر في دول أخرى، وكأنها عدوى وانتشرت كالوباء والطاعون، وبالطبع لم يكن مسمى الربيع العربي بريئًا لذلك أطلقنا عليه مبكرًا الربيع العبرى لأننا أدركنا أن المسمى جاء جاهزًا من خارج مجتمعاتنا كالوجبات السريعة التي تعدها المطاعم الأمريكية العابرة للقارات والمحيطات والمنتشرة في مجتمعاتنا العربية كالوباء رغم أضرارها على صحة شعوبنا.


وبما أن الثورات لا يحكم عليها إلا بنتائجها فلا يمكن أن نعتبر ما حدث داخل مجتمعاتنا العربية ربيعا عربيا لشعوبنا الثائرة من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، بل النتيجة الفعلية هي مزيد من المعاناة والقهر والظلم الاجتماعى للغالبية العظمى ممن خرجوا مطالبين بإسقاط النظام، والنتيجة الفعلية والحقيقة الوحيدة الدامغة هي أن الصراع العربي – الصهيونى قد تحول إلى صراع عربي – عربي ليس على مستوى الأقطار العربية وبعضها البعض بل على مستوى كل قطر عربي، ويمكن التأكيد بما لا يدع مجال للشك أن القضية الفلسطينية التي كانت تجد لها مدد داخل العديد من الدول العربية التي انطلق فيها الربيع المزعوم قد انتهت، حيث تقف إسرائيل اليوم متفرجا على ما يحدث من خراب داخل مجتمعاتنا العربية، لذلك فالربيع هو ربيع عبري بامتياز لأن نتائجه كلها قد صبت في صالح إسرائيل.

وبتسليمنا أن هناك مخطط "أمريكي – صهيوني" كان جاهزًا ومعدًا مسبقًا لتقسيم وتفتيت الوطن العربي، تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، استغل الحراك الشعبي العفوي إلى جانب الأجندات الداخلية التي تعمل لصالحه لتأجيج الصراع الداخلى، لذلك أكدنا أيضًا ومنذ البداية أن هذا المشروع التقسيمى والتفتيتى لديه أدوات في الداخل العربي لإنجاز مشروعه وأحد أهم هذه الأدوات هي الجنرال فتنة طائفية وعرقية ومذهبية بل فكرية وسياسية وطبقية، وهى من الأدوات الفاعلة والتي تؤدى إلى تقسيم وتفتيت النسيج الوطنى الاجتماعى بشكل يصعب معه إعادته إلى سيرته الأولى، فهى نيران سريعة الاشتعال يصعب إخمادها بسهولة.

وبالطبع لكل مجتمع عربي طالته المؤامرة "الأمريكية– الصهيونية" خصوصيته وتركيبته الديموجرافية الفريدة وبالطبع اقتصر المشروع التقسيمى في تونس على الخلاف الفكرى والسياسي والطبقى، في حين اعتمد في مصر على إلى جانب الخلاف الفكرى والسياسي والطبقى على الورقة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين لشق النسيج الوطنى الواحد المتماسك والمتعايش تاريخيًا، وفى ليبيا اعتمد على الورقة القبلية والعشائرية لتأجيج الصراع وتقسيم وتفتيت النسيج الوطنى الاجتماعى، وهى نفس الورقة التي استخدمها في اليمن بجوار الورقة المذهبية بين سنة وشيعة إلى جانب الخلافات الفكرية والسياسية والطبقية، ولا تختلف البحرين كثيرًا عن اليمن لكن تظل الورقة المذهبية بين الشيعة والسنة هي الأبرز، وبالطبع تأتى سورية بتركيبتها ونسيجها الاجتماعي المعقد لتبرز الورقة الطائفية والمذهبية والعرقية في محاولة لضرب نسيجها المتماسك والمتعايش تاريخيًا، وبالطبع لا يمكن أن ننسي كيف قام هذا المشروع بتجريب هذه الأداة الفاعلة لضرب النسيج الوطنى الاجتماعى من قبل في لبنان والصومال والسودان والعراق.

وإذا كان مشروع الوحدة الوطنية والقومية هو المشروع المضاد للمشروع التقسيمي والتفتيتى الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وكيانها الصهيونى ضد مجتمعاتنا العربية، فإنه من الضرورى أن نبتدع أدوات وآليات للمواجهة وهنا تبرز المصالحة الوطنية كإحدى أهم الأدوات والآليات الفاعلة لمواجهة وترميم ما أفسده الربيع العبري على مستوى الوحدة الوطنية، وبالطبع لكل مجتمع عربي خصوصيته البنائية والتاريخية وتركيبته الديموجرافية الفريدة لذلك لابد أن تأخذ المصالحة الوطنية شكلا مختلفًا من مجتمع عربي إلى آخر فنموذج المصالحة في تونس غيره في مصر، غيره في ليبيا، غيره في اليمن، غيره في البحرين، غيره في سوريا، وبالطبع غيره في لبنان والصومال والسودان والعراق.

إذن المصالحة الوطنية ضرورة حتمية لمواجهة المشروع التقسيمى والتفتيتى من أجل لم شمل النسيج الوطنى المتهتك بفعل المؤامرة "الأمريكية– الصهيونية"، لكننا نؤكد أن هذه المصالحة الوطنية لا يمكن أن تشمل من تلطخت أيديهم بالدماء.. وبعد ترميم ما أفسده الربيع العبرى يمكننا أن نبدأ فورًا في البحث عن أدوات وآليات جديدة لتحقيق حلم الوحدة العربية الوسيلة الوحيدة القادرة على المواجهة والصمود في عصر التكتلات الدولية الكبرى التي تحاك ضد مجتمعاتنا المقسمة والمفتتة المؤامرات.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية