نقطة ضعف المسئولين
الذكاء والثقافة والحس السياسي صفات أساسية في أي مسئول ناجح، خاصة إذا كان يتصدى للعمل العام ويتفاعل مع مشكلات الجماهير.. وهذه السمات تضمن له حسن الرؤية وسرعة اتخاذ القرار السليم وقراءة الأحداث جيدًا ورسم خطط مستقبلية تتواكب مع المتغيرات المتوقعة.
وقبل كل ذلك فهم الناس وتقييمهم وتوقع ردود أفعالهم.. ومثل هذا المسئول يكتسب ثقة المواطنين سريعًا ويجدون فيه نموذجًا لوعي وإدراك مشكلاتهم ومطالبهم.. وأحيانًا يكون أسرع منهم في التفكير واتخاذ الإجراءات.. والسياسة بالفعل عملية دهاء لا تتوافر في أي شخص.. وبدونها يكون المسئول ضعيفًا ومتخبطًا.
وفي قصة المقولة الشهيرة "الحكاية فيها إن" معانٍ كثيرة استدل بها المفكر الكبير ثروت الخرباوي الذي اعتز بصداقته عندما خصص أحد مقالاته في "فيتو" مؤخرًا ليحكي عن تجربته مع بعض المسئولين الذين لا يستطيعون استيعاب الرسائل الموجهة لهم فيفهمون عكسها تمامًا.
يقول الخرباوي: "يا سلام على أيام مضت من حضارتنا المنقضية، ففي عهد هارون الرشيد هرب موسى البرمكي من بغداد بعد أن غضب عليه هارون، وأراد الخليفة أن يستعيده فطلب من زوجة موسى أن ترسل له خطابًا تطمئنه فيه وتدعوه للعودة إلى بغداد، فقالت لهارون: لقد تعود زوجي على أن أرسل له لوحة مطرزة تحتوي على كلمات مرسومة بفن من فنون الخط العربي، فوافقها هارون، فكان أن كتبت في اللوحة "يا موسى إنَّ" وبعد أن أرسلت الرسالة واللوحة قال هارون لوزير له إن موسى لن يعود..
ولما استفهم منه الوزير قال هارون: سيرسل لها ذات اللوحة التي أرسلتها له وسيضيف حرفًا واحدًا فقط.. فعادت اللوحة وكانت كلماتها هي "يا موسى إنا" مضيفًا الألف بعد النون، فلما استفهم الوزير من هارون قال هارون: قالت له في اللوحة يا موسى إنَّ.. فإذا أكملتها ستجدها آية قرآنية تقول: "يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك" ففهم زوجها المعنى الخفي فأضاف الألف بعد النون لتكون آية قرآنية أخرى هي "يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها"..
ومن هنا أصبح المثل يقول "الحكاية فيها إنَّ".. هؤلاء كانوا يفهمون بالإشارة والرمز!