رئيس التحرير
عصام كامل

الموسيقار عمر خيرت: أقرأ المعوذتين قبل حفلاتي.. ودواع أمنية تمنع إقامتها في مكان مفتوح

فيتو

>> بيانو والدي «أول معرفتي بالموسيقى» 
>> عزفت في شبابي بالمطاعم وأول أجر حصلت عليه 4 جنيهات ونصف الجنيه
>> الفقر وراء الانحطاط الفني 
>> الموجة الهابطة سوف تستمر طويلًا 
>> لو استمع الإخوان إلى الموسيقى لتحرروا من تطرفهم




أن تكتب عن فن ما – أي فن- تحتاج سنوات عدة من الدراسة والبحث والتحرى والتدقيق لتكون كاتبًا صادقًا، يقرأ لك الآخرون، فتمرر بين كلماتك حروف الصدق، وتكون قد حققت الإنجاز.. لكن أن تكون فنانا، فالأمر هنا يختلف، عوامل المعادلة تكون غير قابلة للتغير، فالموهبة لا بد أن تكون حاضرة، وبجوارها يقف عشقك لـ”الفن”، ثم تبدأ رحلة التعب والمتعة أيضًا. 

الموسيقار العالمى عمر خيرت صاحب الشعبية الجارفة والجوائز والأوسمة المتعددة، لا يحتاج من كلمات التعريف سوى “الموسيقار”، وفى بلدان أخرى يكفى أن تذكر اسمه، لتمر على خاطر السامع حكاية عاشق لا يرضى غير محبوبته بديلا.. «مصر».. تلك الجميلة التي غزل لضفائرها جمل الموسيقى، وإليها بنى صومعته الموسيقية الخاصة ليرتل فيها آيات النوتة المبهجة.
عشقها فبادلته من العشق ما يهوى من الصبابة والجوى، وبدلت دقات قلبه إليها بنقرات ممتعة على أصابع “البيانو”، فأحسن العاشق تطويع نقراته على اللغة، وأمعنت العاشقة في الاستماع.
نغمات منتظمة، ومبهجة في الوقت ذاته، هكذا يمكن وصف الحوار مع الموسيقار العالمى، الذي أجريناه معه بمناسبة عيد ميلاده، تحدث خلاله عن الفن، وانتقل بـ”خفة” إلى السياسة، وما بين هذا وذاك كانت حياته وذكرياته حاضرة.. فإلى نص الحوار:


> بداية.. تنتمي أنت لعائلة فنية مثقفة.. فهل يمكن اعتبارك وريثًا لهذا الإرث العائلي؟
عائلتى لا تتكون من الفنانين والمثقفين فحسب، فعمى عمر خيرت الذي سميت على اسمه أستاذ في علم البكتيريا وله اكتشافات عالمية في الميكروبات، وكان يعمل مع ألكسندر فلمنج، مكتشف البنسلين، كما أنه كان من أفضل 10 مصورين فوتوغرافيا في العالم، حيث كان من ضمن المحكمين العشرة الدائمين في صالون لندن للتصوير الفوتوغرافى.
ليس هذا فحسب، لكن العائلة مليئة بالموسيقيين والمهندسين المعماريين، مثل عمى أبو بكر خيرت، مؤسس معهد الكونسرفتوار، وهو أيضًا من رواد الموسيقى السيمفونية في مصر والمهندس المعمارى الذي صمم أكاديمية الفنون.

> وفقا لهذا التاريخ العائلي.. كيف كانت طفولتك مع الموسيقى؟
كنت دائمًا أرى والدي في منزلنا يعزف على البيانو لكبار موسيقيي العالم منذ كنت في سن الخامسة من عمري، فكنت أقف إلى جواره لأستمع إلى عزفه مبهورًا به، ومن ثم أجلس مكانه وألعب بطريقة عبثية على البيانو، ومن هنا لاحظت عائلتى شغفى بالموسيقى فالتحقت في سن التاسعة بمعهد الكونسرفتوار.

> صراحة.. هل لعب عمك دور الوسيط في التحاقك بـ«الكونسرفتوار»؟
على العكس تمامًا، فقد التحقت بالمعهد بطريقة روتينية طبيعية، لم يتدخل بها عمى على الإطلاق، ومررت بالاختبارات اللازمة للالتحاق مثلى مثل أي طالب، فعمى لم يكن يقبل بالواسطة على الإطلاق.

> هل كنت ناجحًا في دراستك «الموسيقى»؟
نعم، لكننى رسبت في إحدى السنوات واضطررت إلى إعادتها بسبب أن عمى عميد المعهد، حيث طلب منى أساتذتى تقديم برنامج معين لاجتياز الاختبار، ولكن حدث خطأ ما، لم يكن خطأى وكان يتفهم عمى أنى لم أكن صاحب هذا الخطأ إلا أنه اعتمد رسوبى رسميًا لأننى ابن أخيه.

> تعلمت على يد مدرسين أجانب مثل الإيطالى كارو، أما الآن فدارسو الموسيقى لا يحظون بمثل هذه الفرصة حتى في أكاديمية الفنون التي أنهت عقودهم منذ فترة، فهل كان لهذا الأمر تأثير في تكوينك الموسيقى؟
بالطبع.. فدراسة الموسيقى على يد أستاذ أجنبى توسع مدارك الطالب على العديد من القوالب الموسيقية المختلفة، خاصة أن بعض أساتذة الموسيقى المصريين يهتمون بشكل أكبر بكسب لقمة العيش، الأمر الذي يضطرهم للعمل في أكثر من مكان، وهذا ينعكس سلبًا على الطالب لأنه لا يجد الاهتمام الكافي.

> البيانو لم يكن الآلة الموسيقية الأولى في حياتك.. هل يمكن أن تقص علينا حكاياتك مع الآلات؟
بالفعل أول موسيقى كنت ألعبها هي الجاز على آلة الدرامز في فترة شبابى بالستينيات، ثم التحقت بفرقة “القطط الصغيرة” وإسماعيل عبد الحكيم ابن الروائى والمفكر توفيق الحكيم، وكانت تلك الفترة بمثابة ثورة على الموسيقى الكلاسيكية في هذا الوقت، وشكلت تلك المرحلة داخلى اهتمامًا كبيرًا بالتنوع الموسيقي، حيث استطعت التعرف على الموسيقى الشرقية والغربية من بيتهوفن وموزار حتى السنباطى وعبد الوهاب، لأصنع منهما توليفة لأعمالى ومشروعى الفني.

> الصعود إلى القمة يتطلب مجهودًا ومعاناة كبيرة.. فهل كنت من الشباب المرفهين ماديًا لتحقيق متطلباتك أم كدحت حتى وصلت إلى ما أنت عليه؟
كنت أعتمد على نفسى بشكل كامل قبل أن تقدمنى الفنانة فاتن حمامة إلى الجمهور وأحقق نصيبًا من الشهرة من خلال وضع الموسيقى التصويرية لفيلم «ليلة القبض على فاطمة»، فقد كنت أعزف في شبابى بأحد المطاعم حتى أستطيع تحقيق ما أصبو إليه ولإنجاز دراستي، فكنت أعزف فترة الغداء والعشاء بالمطعم.

> ماذا عن أول أجر حصلت عليه في حياتك من عملك في الموسيقى.. هل تذكر رقمه؟
كان من خلال عملى بالمطعم، أربع جنيهات ونصف الجنيه، ثم زادت فيما بعد لتصل إلى سبع جنيهات.

> تمتلك من الخبرة باعا طويلا.. فهل ما زال الخوف يلازمك قبل الصعود إلى خشبة المسرح بحفلاتك؟
بالطبع، فمادمت فنانًا سيكون الخوف رفيقك طيلة الوقت، وعادة يلازمنى الخوف قبل الصعود إلى المسرح للعزف، فأقرأ الفاتحة والمعوذتين، وما أن أصعد إلى المسرح وأرى الجمهور والبيانو حتى يذوب الخوف ويتلاشى ويتبدل في لحظات إلى هدوء وتركيز وسكينة.

> هل أنت من الفنانين الذين يتحكم المزاج والإلهام في إنتاج أعمالهم؟
لا أعتقد، فمن الخبرة الطويلة أستطيع استحضار الحالة التي أريدها، وهذا في حالة تعاقدى على إنتاج عمل جديد ووجود عقد مبرم بينى وبين جهة ما، فهذا أمر لا يحتمل انتظار الإلهام.
أما في حالة عدم التزامى بتعاقدات فأكون حر أفكاري، وأدون وأعزف أي جملة موسيقية تخطر ببالى حتى لو كنت في “عز النوم”.

> لننتقل إلى نقطة أخرى.. يعانى جمهورك من نظام حجز تذاكر حفلاتك بدار الأوبرا.. فهل بادرت بوضع حلول لتلك الأزمة؟
أتمنى حل تلك الأزمة بشكل سريع، لكن الأمر ليس بيدي، فدار الأوبرا مؤسسة حكومية لا أستطيع التدخل في نظامها وأسلوبها، لكننا اقترحنا زيادة عدد الحفلات فصرت أقدم حفلين أو ثلاثة شهريًا، وبالطبع لست راضيًا عن هذا النظام وتعب الجمهور من الانتظار بالأوبرا من الرابعة صباحًا للحصول على تذكرة، ولكن في انتظار تفعيل نظام الحجز الإلكترونى لحل الأزمة، ولكنى أعتبر تقديم حفلات بدار الأوبرا عملا وطنيًا لا بد من القيام به.

> ولماذا لا تقدم حفلة في ساحة الأوبرا المفتوحة حتى يستطيع أكبر عدد من الجمهور الحضور؟
بالفعل فكرت في هذه الفكرة من قبل، واقترحتها على الأوبرا، إلا أن المسألة تتعلق بالنواحى الأمنية في تأمين الحفلات التي تقام في أماكن مفتوحة.

> صف لنا رؤيتك لحالة الساحة الفنية حاليًا؟
أظنها لا تليق بتاريخنا الموسيقي والغنائي، ومخزوننا التراثي.. خاصة أننا سنبقى نعانى من تلك الموجة الهابطة لفترة طويلة، إلى أن تعود ثقافة الشعب.

> تردي الذوق والأخلاق ينعكس على الفن.. برأيك كيف وصل الشارع المصرى لتلك الحالة؟
أظن أن أكبر الأسباب التي حولت مجتمعنا هو الفقر، وانعدام الأمل الذي يولد شعورًا بخسارة الذات، وسوء أوضاع التعليم، فالحاجة تقتل الإنسان وتجعله يخرج أسوأ ما فيه، ولكن رغم كل شيء تبقى نقطة مضيئة وأمور في غاية الجمال بالتركيبة المصرية، فهى لا تحتاج سوى إزالة الغبار عنها فقط.

> هل تعتقد أن الموسيقى المصرية في خطر؟
ما دام معهد الكونسرفتوار موجودا فلا خطر على الموسيقى في مصر، فرغم تردى أوضاع التعليم فإن المعهد ما زال يُخرج سنويًا كوادر موسيقية مشرفة من الشباب، وهو أمر يجعلنى أشعر بالاطمئنان.

> كنت من الشخصيات التي حاربت حكم الإخوان بطريقة مختلفة.. فكيف فعلت؟
في تلك الفترة كان كل مصرى وطنى غيور على وطنه يحارب حكم الإخوان على طريقته الخاصة، وكفنان حاربتهم بالموسيقى، حيث قدمت أكبر عدد من الحفلات الموسيقية في حياتى خلال فترة حكمهم، وكنت أهدف من ذلك محاربة الرسائل التي يبثوها بالفن والجمال الموسيقى القادر على تغيير الأفكار وتهدئة النفس.

> هل تعتقد أن الإخوان لو كانوا يستمعون إلى الموسيقى لتغيروا؟
بالطبع، فلو أنهم يستمعون إلى الموسيقى كان من الممكن أن يبتعدوا عن الإرهاب وبث أفكارهم المقتصرة على تحريم الغناء والموسيقى ونشر الكرة والأفكار المتطرفة، فالموسيقى قادرة على تنقية الشوائب المليئة بها نفوسهم.

> حدثنا عن أبنائك.. هل ورثوا منك حب الموسيقى؟
ابنى عمر يميل إلى حب الإخراج أكثر، حيث كان مجال دراسته في أستراليا، لكنه شغوف بالاستماع للموسيقى ولا يعزفها، أما شيرين فتعزف الموسيقى على الجيتار وتغنى، وتعيش حاليًا في أمريكا.

> هل يمكن اعتبار المطربة أمينة خيرت ابنة أخيك وريثة مشوارك الفنى؟
أمينة من الأصوات المتميزة جدًا في الأوبرا، لأنها تستطيع غناء جميع القوالب الغنائية مع الحفاظ على قالب الغناء الأوبرالي، ولن أتردد عن تقديم المساعدة لها، لكن يجب أن تعتمد هي أيضًا على نفسها لتشق طريقها الفنى الذي تختاره.

> ختامًا.. يتشوق محبوك لمعرفة كواليس عمر خيرت الإنسان وليس الموسيقار.. فما هي طقوس يومك المعتادة؟
عادة في الأيام الطبيعية استيقط الساعة العاشرة تقريبًا، وأتناول ملعقة من العسل الأبيض وشرب شاى بحليب مع “البسكويت”، ثم أتوجه للوضوء والصلاة، وعقب إنتهائى أبدأ بالتمرين على البيانو.
أما في حالة عملى على مقطوعة جديدة، فتكون ساعات نومى متغيرة، وعادة أعمل في ساعات الليل وأنام في الصباح، ومن الممكن ألا أنام على الإطلاق حتى أنتهي.

> وما هي رياضتك التي تفضلها؟
كنت أحب ممارسة رياضة المشي، إلا أن ألم الركبة يمنعنى منها هذه الفترة، لذا أتجهت إلى ممارسة السباحة.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية