رئيس التحرير
عصام كامل

شيء من الفوضى


ستظل الفوضى هي اللاعب الرئيسي والحاكم الأول ورأس الحربة في الملعب طالما هناك انفلات إعلامي رسمي وغير رسمي.. والحقيقة أن هذا الانفلات سيظل هو السيد المتربع على عرش الأحداث.. ولم لا ؟! فكل مؤسسات الدولة تقف موقف المتفرج أمام اللغط دون أن تنبس ببنت شفة.. وتترك العابثون يعبثون كما يحلو لهم.. والتجارب تعلن عن نفسها.. وتستدعي مثيلاتها.. وتتكرر بنفس السيناريو.. ورد الفعل لا يتغير..


وكنت أظن أننا تعلمنا من دروس الماضي.. تلك التي أدت بنا إلى نتائج لا يعلم آخرها إلا الله.. وكنت أظن أن وزارة الداخلية سوف تستطيع أن تضع حدًا للغط الدائر حول حادثة المواطن (المصري) مجدي مكين.. التي فاضت صفحات التواصل الاجتماعي بصوره وسيرته.. ولن أعيد ما كتب وما قيل.. ولكن الفوضى التي تركها هذا الحادث.. تطرح سؤالا في غاية الأهمية.. متى يصدر قانون حرية تداول المعلومات؟ متى يصبح للصحافة الحق في الحصول على المعلومة دون هذا الجهد والعناء؟

المصادر تتبارى في إخفاء المعلومات.. وكأن مهنة إخفاء المعلومات هي من المهن المهمة التي يحترفها المحظوظون وأهل الثقة.. كنت أتمنى أن أجد من الداخلية الوزارة التي أحترمها وأقدر جهودها وجهود كل الشرفاء فيها.. بيانًا مطولا.. مرفقًا بالوثائق تطرحه على الرأي العام يوضح حقيقة الحادث بالتفصيل.. كنت أنتظر بيانًا سياسيًا يعلن عن رؤية أمنية محترفة تقدر حساسية الحدث، خاصة بعد أن أصبح يشغل الرأي العام وتستطيع التعامل مع مثل هذه الوقائع..

كان يجب أن يبتعد مساعد وزير الداخلية للإعلام والعلاقات عن التصريحات المعلبة على شاكلة نحن في انتظار التحقيقات.. وجهاز التفتيش والرقابة يحقق في الحادث.. وغيرها من التصريحات التي تؤجج النار ولا تطفئها.. والتجربة أثبتت مرارًا فشل هذه السياسة في التناول الإعلامي.. خاصة أن اللغط وصل إلى مداه.. واستفاد من هذا اللغط أصحاب المصالح.. واشتعلت المواقع بفعل الكتائب الإلكترونية المحترفة التي تستطيع استغلال هذا النوع من الفتن..

رغبة في تحري الحقيقة حاولت الحصول على معلومة من مصدر أثق به.. وللأسف لم يمكنني منها.. وجدت أداءً مرتعشًا لا يليق بوزارة الداخلية.. الكل يصمت حتى أصحاب الحق.. أحترم لغة انتظار تحقيقات النيابة.. وجهات التحقيق المختلفة.. ولا أحترم الأحكام المسبقة التي وصلت إلى أن حكمت بالإعدام على ضابط لو ثبتت براءته لن يهتم أحد بنشر خبر البراءة.. وأعلم جيدًا أن كل الجهات تواصل الليل بالنهار حتى تعلن عن نتائج قد تهدئ الرأي العام.. لكن هناك لغات أخرى عديدة يمكن التحدث بها.. خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي.. جهات تتواصل مع الناس بنفس اللغة والجمل والألفاظ..

لا تصمت حتى يصبح الواقع المزيف حقيقة.. وتهدأ النيران تاركة وراءها بذور الحقد التي يسهل تجدد اشتعالها مرة أخرى.. تقدير الأمور يحتاج قرارًا.. يحتاج رؤية سياسية تعي جيدًا كيف تتعامل مع مثل هذه الظروف.. تحتاج منح سلطات كاملة لمن يحتل موقعًا.. خاصة في التعامل مع الإعلام.. هذا الأداء يسيء إلى الجهاز بالكامل.. يسيء إلى الشرفاء ويوطن البلاء.. ويطمس الحقيقة.. ويعلي عبارات الزيف.. ويدفع بالاعتقاد الذي يؤكد الظلم وإخفاء الحقيقة لتبرئة المتهم وضياع حق المجني عليه.. والحقيقة أنه لولا حكمة الكنيسة في التعامل مع الحادث لكانت فتنة..

الضرورة الملحة الآن والتي لا تحتمل انتظارًا هو سرعة إصدار قانون تداول المعلومات.. حتى لا تصبح الجمعيات الحقوقية هي مصدر المعلومات.. وتصبح سلطتها أقوى من سلطة مؤسسات سيادية أخذت موقع المشاهد لا لشيء سوى أنها لا تملك سلطة التصريح.
الجريدة الرسمية