«ترامب» رجل الجمهوريين في البيت الأبيض.. «الرئيس المنتخب» انتقم من «باراك» بـ«تصريحات البشرة السوداء» وسيناريوهات توريط واشنطن في الحروب الخارجية
الفضائيات العربية والمصرية في قلبها لم تكن على مستوى الحدث، وخرج على المشاهدين مجموعة الخبراء المعتادة في الحديث عن الأمر على أنهم شهود عيان، تجلت مشاهد بعدهم عن السياسة الأمريكية في عدم إلمامهم بطريقة التصويت المعقدة هناك التي يتم بناءً عليها اختيار الرئيس، وامتدت لخداع المشاهد عقب إعلان النتائج النهائية في سرد حواديت من “عالم سمسم” –أشهر برنامج أطفال أمريكى- حول مكاسب القاهرة من فوز المرشح الجمهوري، وآخرون ذهبوا لرسم مسرح الحرب العالمية الثالثة، عقب وصول من اعتبروه رجل مجذوب إلى البيت الأبيض.
المثير في المشهد الفوضوى لتحليل النتائج، أننا تأثرنا بهجوم وسائل الإعلام الغربية على “ترامب” وتصديره للعالم بصورة الرجل الفوضوى زير النساء، دون عناء قدح زناد الفكر للنظر إلى رجل صنع إمبراطورية اقتصادية هائلة في عقدين قدمه حزبه للمنافسة على المنصب وصولا إلى دهائه الذي مارسه لإقناع الناخب الأمريكى بمنحه صوته بل وتمكين أعضاء حزبه –الجمهوريين- من السيطرة على مجلسى النواب والشيوخ.
سيطرة الجمهوريين على صناعة القرار الأمريكى مستقبلا، هي الأمر الوحيد الذي يستحق التوقف عنده لمعرفة مكاسبنا وخسائرنا على طاولة المقامرات الإقليمية، وبهدف تجنب الخسائر والسعى لتحقيق مكاسب، لابد من تحليل أسباب فوز “ترامب” التي عرجنا عليها في مستهل التقرير.
رجل المال والأعمال الذي جاء من خارج مؤسسة السياسة التقليدية، هناك أو كما يسميها الأمريكان بالإنجليزية ”Establishment”، المصطلح الذي لا تتعدى حروفه الـ 15 حرفا، يحمل بداخله مجتمعا كاملا يضم مافيا السلاح وشركات النفط ورجال البورصة ولوبيهات الضغط والإعلام، مجتمع ذئاب يعرف بـ”النخبة” ينخرها الفساد ويمارس كافة الموبقات يستحل دماء الشعوب ونشر الأمراض والحروب الأهلية لتحقيق مكاسب مالية لا تتوقف، عندما قدم الرئيس -المنتهية ولايته- باراك أوباما نفسه إلى الناخب أعتقد أنه قادر على مجابهة هذه النخبة وتبنى برنامج تأمين صحى أطلق عليه “أوباما كير”، غازل به المواطن الذي يريد التعليم والعلاج والخدمات وسط مجتمع رأسمالى ينهشه الدولار، إضافة إلى وعوده بسحب الجيش الأمريكى من مناطق النزاع والانشغال بالداخل وعدم التورط في الصراعات الخارجية، هذه الوعود التي تبخرت مع دخوله البيت الأبيض، هي ما دفعت الناخب إلى منحه الرئاسة متناسيا بشرته السمراء رغم عنصرية المجتمع الأمريكي.
ما فعله “أوباما” قبل ثمانية أعوام فعله “ترامب” بلغة أكثر شعبوية تحدث بلسان رجال الأعمال حول المكسب والخسارة في العلاقات الخارجية، التوعد بطرد المهاجرين الذي أخذه العالم نقيصة بحقه، مثل رسالة طمأنة داخلية للشعب، المفردات العنصرية وابتزاز الدول العربية وغيرها مقابل الحماية العسكرية والتهديد بالانسحاب من حلف الناتو بهدف توفير الإنفاق العسكري، ممره إلى عقل الناخب الذي يهدف إلى حياة رغدة لا تشغله القوى العسكرية ولا النفوذ الأمريكى بالداخل بقدر انشغاله بنفقاته الشخصية وشبكة أمانة الاجتماعية.
ترامب الرئيس
من المؤكد أن يوم 20 يناير المقبل سيمثل نقطة تحول في حياة “ترامب” رجل الأعمال، ليقدم نفسه للشعب الأمريكى والعالم بوجه السياسي، وقتها فقط سوف ندرك الخطيئة الكبرى التي وقعنا بها كشعوب عربية عندما نظرنا إليه بسخرية وصدقنا الروايات التي ساقتها لنا وسائل الإعلام الغربية لصالح “المؤسسة” التي سعت لإسقاطه بالتهكم لإقناع الناخب الأمريكى بخطورته على الأمن القومى، ومحاولة تمرير مدة رئاسية ثالثة لـ”أوباما” بتسكين وزيرة خارجيته هيلارى كلينتون في البيت الأبيض، للحفاظ على مكاسب الأعوام الماضية وجنى المزيد من أموال الدم في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
اللعبة “الجيوساسية” الآن باتت في يد حزب جمهورى يجب فهم أيديولوجياته جيدا لمعرفة مستقبلنا على الخريطة الأمريكية، بعد أعوام الربيع العربى والحروب المذهبية ونشوب الحروب الأهلية وصعود التيارات الإسلامية.. هذه التركيبة من المؤكد مستقبلا أنها سوف تختفى من قاموس الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد “ترامب” بهدف “لملمة” ملفات العالم، وتعويض تراجع نفوذ واشنطن الذي سقط بالضربة القاضية أمام الدب الروسى في شرق أوروبا والشرق الأوسط، وصولا إلى إهانة رمز الدولة على يد التنين الصينى خلال استقبال باراك أوباما في قمة العشرين.
لعبة الأوراق المكشوفة التي انتهجها رجال المؤسسة الحاكمة، والإعلان صراحة عن دعم ميلشيات إسلامية مسلحة في سوريا، والدخول في اتفاق نووى غير محمود العواقب مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي بدروه أثار غضب إسرائيل، وسط تصدع الاتحاد الأوروبي بعد انسحاب بريطانيا، وتبنى التخلص من أنظمة عربية من خلال دعم ثورات الربيع الربيع، أمور جميعها تسببت في فوضى خلاقة خارجية.