«سرنجات» الحكومة والمواطن
أمر مضحك ومؤسف أن يكون كل اهتمامنا خلال الأيام الماضية "سرنجات" الدكتورة منى مينا.. وهل هناك تعليمات رسمية خرجت من وزارة الصحة للمستشفيات الحكومية بضرورة استخدام السرنجة أكثر من مرة توفيرًا للنفقات؟ أم أن الدكتورة منى مينا، وكيل نقابة الأطباء، هي التي فجرت الأزمة لإحراج وزير الصحة والحكومة.
وأى عاقل يراجع أزمة "السرنجات" لا يمكن أن يتصور ويصدق أن أي حكومة مهما بلغت بها الجرأة والبلاهة وتعمد إيذاء مواطنيها وإصابتهم بالأمراض والأوبئة لا يمكن أن تفعل ما صرحت به الدكتورة مينا، فالحكومة دفعت ما يقرب من 3 مليارات جنيه لعلاج أكثر من 10 ملايين مواطن مريض بفيروس c في أقل من عامين.. هذه الأموال تم تدبيرها بشق الأنفس وتم اقتطاعها من موازنة الدولة المنهكة، فلا يعقل أن تعيد المرض لمواطنيها مرة أخــرى بكل هذه السهــولة وضرب السياحــة والاستثمارات ومئات الآلاف من العرب الذين يأتون إلى القاهرة للعلاج.
نقابة الأطباء بالأساس هي جــزء من منظومة الصحة في مصر ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا من قبل أن تأتى مينا إليها وبعد أن ترحل منها وكان أولى بالقائمين على النقابة أن تراجع وزارة الصحة من صحة المعلومة وليس البناء عليها وتهييج الرأي العام وتشويه منظومة الصحة.. فمن المؤكد أن هدف النقابة واحد وهو حماية صحة المريض المصرى وليس المتاجرة به.
شخصيًا سألت عددًا كبيرًا من الأطباء في المستشفيات الحكومية للتأكد من صحة المعلومة التي لم تتوقف مينا عن ترديدها خلال الأيام الماضية، وكانت الإجابة قاطعة أن مثل هذه التعليمات لم تصل إلى المستشفيات وإذا تم إرسالها فلن ينفذها الأطباء؛ لأن هذا كارثة على العاملين والمرضى، وبالتالى لم يكن هناك أي ضرورة لهذه الأزمة من الأساس.
أزمة "السرنجات" بكل تفاصيلها هي التي تتكرر في كل أزمة جديدة تواجهنا منذ عامين بداية من أزمة كروت الشحن وألبان الأطفال والسكر والأرز والأسمدة وارتفاع الأسعار واختفاء الدولار وانتهاء بالأدوية.. فالأطراف المسئولة عن الأزمة تتعامل بروح الانتقام وتصيد الأخطاء والمنافسة والتربص وليس التعاون..
فكل طرف يريد أن يلحق الهزيمة بالطرف الآخر ويثبت عجزه وفشله على الملأ وأنه سبب الأزمة التي نعيشها وأنه يتآمر على المصريين وعلى صحتهم وغذائهم.
والحقيقة الجميع مسئول عن الأزمات التي نعيشها.. فلا الحكومة تستطيع أن تنجح بمفردها في حل الأزمات التي تواجهنا.. ولا الشعب يمكنه أن يوفر احتياجاته بنفسه.. فمع كل أزمة جديدة تعيشها البلاد يجلس كل طرف ويضع قدمًا على الأخرى وهو ينظر إلى الطرف الآخر في نوع من التشفى ولسان حاله يقول "ورينا حتحلها إزاى" ونسى هذا الطرف وذاك أن جميع الأدوار متشابكة وأن مصلحة الحكومة أن يعيش المواطن دون أزمات ومن مصلحة المواطن أن تكون الحكومة ناجحة وليس العكس فهو أكثر المستفيدين أو المتضررين..
فلا يمكن أن تنجح يد واحدة في حل الأزمات التي تواجهنا ولكن كثرة الأيادى هي التي تدفع السيارة إلى الأمام فالجميع يستقل نفس القطار ومن مصلحتنا جميعًا أن نصل لمحطة الوصول بسلام.. ولكن للأسف الحكومة تحمل الكثير من "السرنجات" للمواطن وهو يبادلها نفس الشعور.