بلاها وزارات لتوفير النفقات
لا يخفى على أي مصري ما يحدث يوميا من أزمات مختلفة، لا يعاني منها سوى المواطن الفقير بصفة خاصة، والمواطن المتوسط الدخل الذي تجنح به الظروف الاقتصادية لمصر لتجعله من تحت خط الفقر بشكل متتابع، لا يقوى على تحمل ضرباتها الهادمة لميزانية أسرته، والناسفة لمدخراته، والمهددة لوجود احتياجاته الأساسية خاصة "المأكل والعلاج"، وتقف الحكومة كالمتفرج "دائما" الذي لا يملك-"غالبا"- لها حلولا أو حتى خططا لمواجهة آثارها أو إمكانيات منع حدوث تلك الأزمات أو تفاديها.
بعد تعويم الجنيه المصري، ورفع الحكومة للدعم عن المواطن، وغلاء أسعار الوقود، أصبح المصري يعاني من تبعات تلك الخطوات الاقتصادية العنيفة، ففقد الجنيه المصري 48% من قيمته الشرائية تقريبا، وأصبح دخل المواطن الثابت لا يقوى لا مواجهة غلاء الأسعار، وتخطي الأزمات التي يواجهها منفردا كما ذكرنا.
ولنذكر عددا من الأزمات لا للحصر ولكن لشدة عصفها بالمصري دون أي تحرك وزاري لتخفيف الآثار على المواطن، فمنها مثلا:
اختفاء الأرز من الأسواق المصرية في منتصف عام 2016 الجاري..
ففي أزمة الأرز تتحمل وزارة التموين تبعية احجامها عن تكوين مخزونها الخاص من الأرز، كمخزون يسد احتياجات السوق ويقف حائلا بين المواطنين وجشع التجار، الذي جعلهم يحتفظون بالأرز في مخازنهم، والإحجام عن التصدير متوقعين ارتفاع سعره محليا، مع العلم أن وزارة التموين أجازت للتجار تصدير فائض محصول الأرز كله، بالرغم أن لجنة الأرز في المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، أوصت بتصدير 50% فقط من هذا الفائض والاحتفاظ بالباقي رصيدا لديها!
نتساءل ما هذه الرعونة والمجازفة بأقوات الشعب دون وضع خطة تخزين تموينية لمحاصيل البلد الزراعية، وعدم طرح البديل في نهاية كل خطة كحل لتفادي مثل هذه الأزمة، وعدم تحميل المواطن عبئا ماديا فوق أعبائه بسبب إخفاق وزير لم يحاسب حتى الآن، وسياسة وزارة لا تعي حجم مسئوليتها اتجاه شعب أقل ما يوصف به أنه "فقير"!
وما أن اعتاد المواطن على ما ترتب على تعويم الجنيه، ورفع الدعم عن الوقود، مما أثر سلبا عليه متمثلا في ارتفاع الأسعار، إلا أنه دخل في دوامة اختفاء السكر من السوق المحلي المتزامن مع وقف الدولة للاستيراد، كمحاولة من الحكومة لوقف نزيف الجنيه أمام الدولار.
اختفاء السكر وعدم وجوده ولو بكميات زهيدة، ترتب عليه غلاء أسعار سلع أخرى كالحلوى والمخبوزات التي يدخل في صناعتها السكر.. فنجد المواطن المصري يوافق على أن يحصل على السكر بأي ثمن ولو فوق إمكانياته المادية أو ميزانيته.
ونبحث في أصل المشكلة لنجد أن وزارة التموين بسوء إدارتها وسياستها، التي قد سمحت باستيراد السكر للأفراد ورجال الأعمال، ورفعها الجمارك عن السكر الخام العام الماضي، مما أدى إلى إغراق السوق بالسكر المستورد والأرخص من السكر المحلي، "وذلك لأسباب تخص طرق الري والحصاد وإصابة سلالة القصب بمرض منذ سنوات مما يؤثر على قلة الإنتاج المصري ورفع سعره مع قلة جودته"، ولا نغفل ما قد أعلنته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" عن رصد زيادة 60% في سعر السكر في البورصات العالمية، ولا ننسى ارتفاع سعر الدولار الدائم أمام الجنيه المصري قبل وبعد تعويم الجنيه.
وبعد كل ما تم ذكره، يبدي المواطن المغلوب على أمره، قبوله لأي سعر سيعود به السكر مقابل توافره، متحملا منفردا سوء إدارة الحكومة، وعدم محاسبة المتسبب دائما في تلك الأزمات الاقتصادية والمعيشية للمصريين.
وحتى نخرج من وزارة التموين وأزماتها التي لا تنتهي، كان لا بد من وجود أزمة تهدد حياة المصريين تخرج علينا من وزارة الصحة.
فقد أثارت تصريحات وزير الصحة بنفيه لوجود أزمة في مستلزمات الغسيل الكلوي، وأن الوزارة لديها من المستلزمات الطبية ما يغطي نسبة 30% ويكفي لمدة سنتين، أثارت غضب المرضى والأطباء على حد سواء.
فقد تداولت الأخبار شكوى المستشفيات الحكومية من نقص المستلزمات الطبية والأدوية، وقد وصل الوضع إلى إعلان وكيلة نقابة الأطباء بصدور أوامر للأطباء باستعمال "السرنجة" لأكثر من مرة لنقص وجودها، ويرجع السبب لوقف الاستيراد بأوامر من الحكومة كما ذكرنا!
وحتى لا ندخل في نفق التصريحات وعكسها، وحرب التصريحات الوزارية واتهامهم لبعضهم ضمنيا بالخيانة، والعمل على إثارة بلبلة مجتمعية، سنختصر ونقول إن الوزير تراجع وأعلن أنه قد تم توقيع اتفاقية مع وزارة الدفاع لسد احتياجات الدولة من المستلزمات الطبية، مقرا بذلك الإعلان حقيقة نقص الأدوية والمستلزمات الطبية التي قد سبق وأنكرها.
عبث التصريحات، وإنكار الوضع دائما يفقد تلك الوزارات ومسئوليها ثقة الشعب، بل تتحول عدم الثقة لتخوين المصريين للمسئولين واتهامهم بالعمل ضد صالح الدولة، والقتل المتعمد للمواطنين بعنترية المنصب، وأحادية القرارات، وبدم بارد لضمانهم عدم المحاسبة، وعدم تغليظ العقوبة فأساؤوا الأدب والأمانة والمنصب.
في كل أزمة كسيول رأس غارب وسوهاج نجد الكثير من الوزارات "الري والإسكان والبيئة والمحليات" مشتركين في التقصير المهني، ومتقاعسين عن العمل، ومهملين مسئولياتهم، وغافلين عن واجبهم في خدمة أبناء الشعب الذي أصبح يعاني بسبب تصرفاتهم، بل أصبحوا عبئا على الدولة وميزانيتها المتهالكة، حيث يتقاضون مئات الآلاف من الجنيهات مقابل زيادة معاناة المواطن، لا في سبيل تذليل ظروف الحياة الصعبة التي يواجهها، وفي مقابل القيام بدور فعال في خدمة المواطن لا لقتله.
ونجد أن المنقذ هو وزارة الدفاع والجيش المصري، في عملية إحلال رجاله لحل مشكلات المحافظات والمواطنين، وتقديم آلاف الكراتين الغذائية للمتضررين من تقاعس الوزارات المختلفة عن القيام بدورها المنوط بها في المجتمع المصري، من مأكل ومستلزمات طبية وتذليل طرق وإزالة آثار السيول ونجدة المتضررين، وإعالة الفقراء، وتوفير السلع الغذائية، كحلول مؤقتة للمواطنين إلى حين يصبح لدى الدولة وزارات تقوم بواجبها كما يجب!
فلذلك أخذت مطالب الكثيرين من المصريين بحل الوزارات وإحالتها للمعاش، لعدم جدواها، ولأنها أصبحت تحتاج دخولها لمرحلة الإنعاش، فلم تعد قادرة على خدمة المواطنين، وأصبح وجودها على قيد الميزانية العامة للدولة تشكل عبئا وإهدارا لملايين الجنيهات دون تقديم أي خدمة للمصريين، فوجب إلغاؤها توفيرا للنفقات، ولأن هناك من وزارة واحدة تقوم بدور تلك الوزارات مجتمعة.