رئيس التحرير
عصام كامل

نهر النيل باعث الحياة في مصر

نهر النيل - صورة
نهر النيل - صورة ارشيفية

عبّر قدماء المصريين عن أهمية النيل بقولهم: "إن الخير الذي يجلبه النيل أجل نفعًا من الذهب والفضة، وأغلى من الجواهر، وأن الناس لن تأكل الذهب وإن كان خالصًا، ولن تتغذى على الجواهر ولو كانت حرة نقية"، وهكذا أدرك الأجداد أن مياه النيل تمنح ما هو أغلى من الذهب والفضة؛ فهي تمنح الحياة، مما هداهم إلى احترام النيل وتقديسه إلى أقصى درجة؛ فهو بحق صانع النماء، وقاتل الجفاف، ومحي الأرض الموات، باعث الخصب، راوى العطش ناشر الحياة بإذن الله تعالى.


واعتمدت مصر منذ آلاف السنين إلى الآن على مياه النيل في الزراعة، والنقل والطاقة وكافة أوجه الحياة، وخير دليل على ارتباط المصريين بالنيل هو تجمعهم حول شريطه الضيق المعروف بالوادي وبالدلتا التي تمثل 4% من مساحة مصر الكلية، بينما 96% من مساحة مصر صحراء غير مأهولة بالسكان مما يصعب معه تخيل مصر بدون النيل؛ حيث تعتمد مصر كلية على الموارد المائية لنهر النيل في الناحية الاقتصادية وخاصة الزراعة، فلا توجد دولة أخرى في العالم تعتمد فيها المياه إلى حد كبير على مياه نهر واحد مثل مصر، فلم يلعب نهر في أي بلد آخر في حياة شعب من الشعوب ما لعبه النيل في حياة مصر، فهو لم يصنع نظامها المائي والزراعي فقط، بل صنع أيضًا نظامها السياسي، وعقيدتها الدينية، ووحدتها الوطنية، فمن أجل توحيد النظام المائي وتنسيق جداول الري في الإقليم، انبثقت الوحدة السياسية، ولهذا سعت مصر إلى تأمين تدفق مياه النيل من منابعه عبر التاريخ بكل الطرق والوسائل سواء كانت سلمية أو ذات طابع عسكري في بعض الأحيان.

وكانت مصر لا تعتمد إلا على مياه النيل فإنه يساهم بنحو 96% من المياه العذبة التي تستخدمها مصر، ولولا نهر النيل لبقيت مصر صحراء جرداء مثل ليبيا في الغرب، أو المملكة العربية السعودية في الشرق، وبذلك فإن نهر النيل هو المورد الأساسي للمياه السطحية التي تعتمد عليها مصر اعتمادًا كليًّا في الاستخدامات الزراعية والصناعية والملاحة الداخلية التجارية والسياحة وأيضًا توليد الكهرباء؛ لذلك فإن أي نقص في كمية المياه التي تأتي إلى مصر من مياه النيل سوف يؤثر تأثيرًا سلبيًا في إنتاجها الزراعي والصناعي؛ لأن مصر لا تتمتع بما يتمتع به جميع دول حوض النيل من أمطار غزيرة وأنهار وبحيرات وكميات هائلة من المياه الجوفية.

لقد أصبح نهر النيل هو شريان الحياة في مصر، وصانع حضارتها وسر وجودها، لذلك كان من الطبيعي أن ترتبط مصر بنهر النيل، فقد كان التعامل مع مياه النهر مسألة حيوية لتخزين المياه وتصريفها وترويضها بإقامة المشروعات الكبرى، التي بدأت في العصر الحديث مثل إنشاء القناطر الخيرية والسد العالي لاستثمار مياه النيل في الزراعة وتوليد الكهرباء، ولم تقف الجهود المصرية للتعامل مع نهر النيل داخل الحدود المصرية فقط بل تجاوزتها لإقامة عدد من المشروعات المهمة مع دول الحوض وخاصة أوغندا، مثل مشروع سد أوين الذي أنشأته مصر على نفقاتها الخاصة.

وأدركت الدبلوماسية المصرية منذ القدم معنى كون مصر دولة نيلية، وجعلت قضية مياه نهر النيل في صدارة اهتماماتها الرسمية، وتؤكد تصريحات السادات وبطرس غالي عن حرب المياه أهمية النيل بالنسبة لمصر؛ لأنه لولا النيل لبقيت مصر مساحة هائلة من الصحراء القاحلة حيث إن 97% من أراضي مصر هي في الواقع صحراء قاحلة غير آهلة بالسكان وإن 3% الباقية تزرع بالاعتماد على مياه النيل كمصدر للري، "وأصبحت في مطلع القرن الحادي والعشرين 7%"، وهذا ما كان يعنيه عالم التاريخ اليوناني المعروف "هيرودوت" حين قال "مصر هبة النيل".

ومصر من أكثر بُلدان شمال وشرق أفريقيا معاناة في الحصول على المياه؛ حيث تتباعد فترات هطول الأمطار، ويعتمد سكانها كليًّا على مياه النيل، كما أن مساحتها المحصولية كلها تحتاج للري الفعلي، وتتزايد احتياجاتها من مياه الشرب والغذاء بإطراد سريع بسبب الأعداد المتزايدة للسكان بها"، وبارتفاع مستوى المعيشة سوف يصبح الماء أكثر أهمية في المستقبل، حيث إن الماء هو العقبة الرئيسة أمام التوسع في الرقعة الزراعية في صحاري مصر، هذا التوسع الذي يعد أمرًا حيويًّا بالنسبة للأمن الغذائي في البلاد، خاصة في ظل استيراد مصر حتى مطلع القرن الحادي والعشرين لنصف احتياجاتها من الحبوب، وهذا الاعتماد على الخارج سوف يزداد في المستقبل.

كانت إدارة نهر النيل حتى أوائل القرن العشرين إدارة مصرية خالصة، وتمت دراسته ووضع خطط الاستفادة منه في وزارة الأشغال المصرية، التي كان يعمل بها في ذلك الوقت أعظم خبراء المياه في العالم.

وما لبثت أن أصبحت المياه أحد مصادر الصراع بين دول حوض النيل، وأصبح هناك صراع دائر بين دول المنع ودولة المجرى ودولة المصب حول حجم ونصيب كل دولة من الموارد المائية لنهر النيل، ورغبة دولة المنبع في تغيير الاتفاقيات الدولية التاريخية التي تتجاهل حقوقهم في الموارد المائية للنهر، والتي تعطي لمصر والسودان حقوقًا مكتسبة من تلك الموارد المائية، لاسيما شروع إثيوبيا في إنشاء سد النهضة ضاربة بكل الاتفاقيات الدولية عرض الحائط وغير مكترثة بالأضرار التي سوف يعاني منها المصريون نتيجة نقص حصتهم من مياه النيل، في ظل امتلاك إثيوبيا لمصادر أخرى من المياه غير نهر النيل.

وقدر مصر أن تكون واحدة من دول حوض النيل وتشاركها فيه دول كثيرة "عشر دول" ليس لأي منها نفس حاجة مصر إلى مياهه، وليس لأي منها نفس محورية الدور الذي يلعبه في حياتها، وليس لدى أي منها أزمة في المياه يمكن أن تدفعها لإثارة أية مشكلة مع غيرها، ولكي تحقق مصر أمنها في حوض النيل، لابد من إلزام دول حوض النيل بعدم إقامة أية مشروعات أو سدود على النهر، إلا بموافقة كل الأطراف، وتنسيق المصالح المشتركة مع دول الحوض واحترام المعاهدات الدولية.
الجريدة الرسمية