وعمل إيه وزير التموين ؟!
موقف لا يصدق من وزير التموين.. قصة لا يمكن تصورها من حكومة تقول إن لها هيبة في دولة مفترض أن لها سطوة.
لو صح ما رواه وزير التموين عن "كبير بتوع الأرز" تبقى كارثة.. لو أن ما قاله الوزير مرت تداعياته مرور الكرام، يبقى قول يا رحمن يارحيم.. لا تقولى حكومة، ولا تقولى وزارة.. ولا تقولى مصر هتبقى قد الدنيا.
يصح أن بعد القصة دى تقول: مافيش حكومة.. تجار الأرز هم الحكومة، مثلهم مثل تجار السكر، وتجار السجائر.. وتجار العدس والفول.
اللواء مصليحى، وزير التموين، حكى أنه طلب "الكبير بتاع تجار الرز" للتفاهم بعد ما رفض التجار توريد الأرز للحكومة.. اشتكى الوزير "تجار الأرز" أراد الوزير شكوى تجار الأرز لـ "الكبير بتاعهم".. قال إنهم يصدرون ولا يهمهم السوق المحليــة.. قال وزير التموين أيضًا إن تجار الأرز يضاربون الحكومة في أسعار التحصل على المحصول من الفلاحين، وأن الفلاحيـــن يبيعون لمن يدفع أكثر، وإن تجار الأرز يدفعون أكثر، ثم يتحصلون على معظم ناتج المحصول، ويتحكمون في الأثمان بالسوق.
في رواية الوزير، نفسه، وبنفسه، عن نفسه، أن كبير تجار الأرز نصحه بالاستيراد من الخارج.. قال كبيرهم: لو مش عاوزين يدلوك.. هات رز من بره. صمت الوزير، ثم قال إنه استورد رز من الهند.. على مكتبه حفنة منه !
المعنى أزمة.. المعنى مصيبة.. والمصيبة الأكبر، أن الوزير لم يجد حرجًا فيما يحكى، ولا وجد حرجًا في إعلانه.
المعنى، أن هناك من يتلاعب بالحكومة، عينى عينك، بينما الحكومة في فمها الماء، وعلى أيديها "نقش الحنة".. وزير تموين مطيباتى، جاء بكبير المحتكرين، يشكو له المحتكرين، ثم يخرج ليحكى للإعلام كيف نغص تجار الأرز حياته، ثم لا شىء بعد ذلك.
المعنى، أن الحكومة تعرف التجار، وتعرف المحتكرين، وتعرف المتلاعبين بالسلع، ثم تعقد اجتماعات تقول إنها تحبث الأوضاع، وتبحث الإجراءات، وتشدد العقوبات، ثم يحكى وزير التموين، قصة ذات دلالة بمنتهى الاستهانة.. والبراءة.
ما الذي تنتظره الحكومة بعد واقعة "الكبير بتاع تجار الرز"؟ هل تسمح لكبيرهم تصدير الأرز اليوم، لتستورد أرزا من الهند والصين غدا ؟ لماذا لا توقف الحكومة تصدير الأرز؟ لماذا لا ترغم التجار على ضخ كميات مقدرة للسوق، حتى تسمح لهم بتصدير الباقى ؟
إذا كانت السوق المحلية عطشانة، فلماذا تسمح بالتصدير أصلا؟ وإذا كان التجار يضاربون أسعار الحكومة في الشراء من الفلاحين، لماذا لا ترفع الحكومة أسعار الشراء من الفلاحين، وتضرب التجار في مقتل ؟
كلها أسئلة لا إجابات لها للآن.. حكومة فيها وزير تموين، يحكى قصته مع "كبير الأرز"، ثم لا تتخذ إجراءات، ولا احتياطات ولا قرارات تانى يوم "تبقى مش حكومة".
وزير التموين حكى القصة، وأراد أن يوضح للنواب في البرلمان مدى معاناته من المحتكرين.. أكيد له قصصا أخرى، مشابهة، مع تجار السكر، ومحتكرى الزيت، لو كان الوزير "بهذه النية الصافية"، واليد الخفيفة، فكيف يمكن أن يتعامل في سوق مليئة بالحيتان وتجار يبيعون الهواء، لو جاب فلوس، وشح في السوق ؟
كيف تتعامل الحكومة مع سوق الاحتكارات ؟
لا أحد يجيب، والواضح أنه ليس لدى أحد إجابة.. نواب طالبوا بتسعيرة جبرية للسلع الأساسية.. ردت الحكومة بأن سياستنا الاقتصادية هي "السوق الحرة"، لا يمكن تدخل الدولة في فرض الأسعار، ولا التأثير فى السوق.
هذا ما قرأناه في كتب الاقتصاد: السـوق الحرة يعنى لا تدخل للدولة في الأسعار.. صحيح مائة بالمائة.. لكن في كتب الاقتصاد أيضًا، أن السوق الحرة لا تستقيم مع الاحتكارات.. ومتى دخلت الاحتكارات من الباب، خرجت كل نظريات الاقتصادية "المحترمة" من الشباك، لتدخل السوق عصر البلطجة.
لو لم ترد الحكومة على بلطجة تجار الأرز، وكبير تجار الأرز بالاستيراد من الخارج.. دون أي إجراءات أخرى، يبقى من النهادرة مافيش حكومة.. تجار الأرز هم الحكومة.
حكاية عبرة صحيح.. ويقولك وزير تموين ؟ عمل إيه وزير التموين لما قاله كبير تجار الأرز هات من بره ؟
الإجابة: راح جاب من بره !!
wtoughan@hotmail.com
twitter: @wtoughan