الشظايا الباردة.. والخلايا النائمة!
هناك أحداث تنفجر وتتوهج، ثم تبرد شظاياها بسرعة، وتمر مرور الكرام.. نغرق فى تأثيرها اللحظى، دون أن نفطن لخطر كُمُون الأثر المؤجَّل، كما فى الخلايا النائمة.
من ذلك النوع، حدثٌ أثار اهتماماً بالغاً وقت وقوعه، وشيئاً فشيئاً تلاشى ذلك الاهتمام إلى حد العدم، رغم ما يحمله فى ثناياه من دلالات بالغة الخطر، على المدى القريب وليس على المدى البعيد.
أتحدث عن وقائع إحباط محاولات تهريب متكررة لملابس عسكرية متطابقة مع زى الجيش المصرى خلال مارس الماضى، آخرها وأخطرها محاولة تهريب كمية كبيرة من تلك الملابس عبر قرية البضائع بميناء القاهرة الجوى، والتى كشف تفاصيلها العقيد أركان حرب أحمد محمد على المتحدث العسكرى باسم القوات المسلحة المصرية، وأعلن عن تحفظ سلطات الأمن بقرية البضائع على 93طرد ملابس شبيهة بالزى العسكرى للقوات المسلحة المصرية وصل وزنها إلى ثلاثة أطنان تحتوى على خمسة آلاف قطعة قمصان كاكية اللون، وأربعة آلاف وثلاثمائة فانلة تعرف بفانلة ضرب النار، وأربعمائة وثمانين علامة كتف بألوان خاصة بالشرطة العسكرية، وكان من المقرر مغادرة الشحنة المذكورة على طائرة مصر للطيران للشحن الجوى إلى بنى غازى بليبيا.
الحدث استثنائى بكل المقاييس، ومع هذا نسيناه تماماً كأن لم يكن، رغم وقوعه منذ أسبوعين فقط!.. وهذا ماعنيته بمعايشة الأثر اللحظى، وإغفال كمون الأثر المؤجل، الذى قد نعجز عن دَرْءِ وحصار نتائجه المدمرة.
ووفقاً لنظرية المؤامرة، التى ينكرها معظمنا رغم أننا نعيش تفاصيلها "المُعلَنَة"، هذه الملابس كانت معدة للاستخدام بإخراج بالغ الإتقان لتصوير من يرتديها على أنهم ضباط وجنود مصريون متمردون، كما رأينا فى المشهدين الليبى والسورى.. أما لماذا كانت متجهة إلى بنى غازى بليبيا على وجه التحديد؟.. أظن أن الأسباب لن تخرج عن الآتى:
أولاً: تصوير التمرد عند حدود ليبيا، يبعد شبهة ضلوع إسرائيل فيه، فيحظى بدرجة قبول عند الترويج له.
ثانياً: استخدام مأجورين بعد تسللهم إلى ليبيا عبر الحدود الممتدة دون عوائق، وخلق مواقع تمركز باعتبارهم يمثلون طلائع التمرد داخل الأراضى المصرية.
ثالثاً: فى مرحلة لاحقة وبعد تهيئة إعلامية مكثفة، يصبح من السهل تشكيل تجمعات بكثافة عددية ملفتة، وإمدادها بالسلاح عبر الحدود الليبية.
رابعاً: سهولة توفير مظلة حماية عسكرية ودعم لوجيستى، من خلال التواجد الاستخباراتى والعسكرى الغربى المتمركز فى بنى غازى.
خامساً: اختيار مسرح الحدث عند الحدود الغربية، يصب فى مخطط التقسيم، والمعلن فيه عن دويلة فى الإقليم الغربى الممتد من الإسكندرية حتى الحدود الليبية.
فى ظنى أن حدثاً على هذه الدرجة من الخطر على وجود الوطن ذاته، ما كان ينبغى أن يمر مرور الكرام!.
يبقى القول إن ماذكرته معلومات، وليس تكهنات.. لذا لزم التنويه.