رئيس التحرير
عصام كامل

النفط.. لعنة الشيطان


انصب تركيز العقوبات الدولية حتى الآن على خفض دخل إيران من النفط، غير أن طهران قررت فى الظاهر تحمل الألم المباشر فى الوقت الذى تعمل فيه على تقليل الدور الذى يلعبه قطاع النفط فى الاقتصاد، الأمر الذى يقوّض استراتيجية الغرب.


وفى الواقع، يعتبر النهج الذى يتبعه النظام جيدا بالنسبة لإيران على المدى الطويل. وعلى حد تعبير مؤسس "أوپك" خوان بابلو بيريز ألفونزو، غالبا ما كان النفط لعنة الشيطان، بتشجيعه قيام عقلية غير متوقعة تعيق النمو.

إن استعراض الاستراتيجيات الغربية البديلة يتطلب دراسةً أكثر اكتمالا، لكن يجدر بنا الإشارة إلى بعض التداعيات التى يتضمنها هذا التحليل. أولها، أن توسيع نطاق العقوبات ليشمل جميع الصادرات الإيرانية سيكون أمرا بالغ الصعوبة. فإقناع تركيا والصين والهند، وغيرها من البلدان على التخلى عن النفط الإيرانى كان أمرا فى غاية الصعوبة؛ ومن ثم فإن إقناعها بعدم شراء الأسمدة الإيرانية سيكون أكثر صعوبة. ومن بين الأسباب التى ستزيد من تردد هذه الدول تجاه اتخاذ هذه الخطوة الإضافية، أن العائد من الصادرات غير النفطية لا يذهب مباشرةً إلى الحكومة، بل إلى شركاتٍ خاصة (على الرغم من أن العديد من هذه الشركات مملوكة فى معظمها لكيانات ذات صلة بالحكومة) لذا، من المستبعد أن تصاب إيران بالشلل جراء أى عقوباتٍ يفرضها الغرب عليها.

وهناك نقطة إضافية تتمثل فى أن زيادة الصادرات غير النفطية تعمل على إغناء الطبقة المتوسطة وتقليل تأثير الحكومة على الاقتصاد. كما أن المخاوف من أن تعمل العقوبات على امتصاص الطبقة المتوسطة المعتدلة، كما حدث فى العراق فى عهد صدام، ليست فى محلها. وبدلا من ذلك، ينبئ تدافع كل هؤلاء التجار الإيرانيين ليصبحوا مصدرين بتكوين مجتمع مدنى قوى الذى قد يستطيع فى يوم ما إقناع طهران بنبذ سياساتها الداعية للعزلة. غير أنه سيكون من عدم الحكمة أن يعلق أحدهم آماله فى حل الأزمة النووية على مثل هذه الاحتمالية.

ويقينا، يكاد يكون من المؤكد أن تراجع عائدات النفط قد أدى إلى وقوع عجز فى الميزانية. وعلى الرغم من عدم توافر تقديرات رسمية، إلا أن رئيس "محكمة التدقيق العليا"، عبدالرضا رحمانى فضلى، وهو ليس صديقا لأحمدى نجاد، قد قدر أن إيرادات 2012/2013 ستغطى 50% من التكاليف فقط، استنادا إلى نتائج الأشهر التسعة الأولى من العام. وقد يشير هذا ضمنا إلى حدوث عجز يقدر بنحو 12% فى الدخل القومى، مقارنة بالعجز الذى واجهته الحكومة الأمريكية الذى بلغ 10% فى ذروته خلال فترة الركود الأخيرة (فى السنة المالية 2009) ومع ذلك، فإن طهران فى وضع جيد يمكنها من تمويل أى عجز كبير. وبدلا من اعتماد الحكومة على الديون المحلية، فإنها تعتبر دائنا صافيا للنظام المصرفى فى الداخل والخارج. فقد ذكر المدير العام لـ "صندوق التنمية القومية" محمد رضا فرزين فى ديسمبر أن رصيد "الصندوق" كان 42.8 مليار دولار، والذى يمكن الاستفادة منه عند الضرورة القصوى.

وباختصار، فحتى مع الدخل المنخفض الذى جاء نتيجةً للعقوبات، فإن أعمال التمويل الحكومية فى إيران هى فى وضع مشابه لذلك القائم فى الولايات المتحدة ومعظم الدول الصناعية الأخرى (أو حتى فى وضع أفضل منه)
* نقلا عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى

الجريدة الرسمية