رئيس التحرير
عصام كامل

وعي الفقراء انتصر على مؤامرة الإخوان !!


تعد قضية الوعى إحدى أهم القضايا المعرفية، وهى قضية طرحت في ساحة الفلسفة والعلوم الاجتماعية منذ زمن طويل، واستقر كثير من الفلاسفة والعلماء على أن الوعى بصفة عامة والوعى الاجتماعى بصفة خاصة يتكون من ثلاثة مكونات أساسية، المكون الأول هو المعرفة بما تتضمنه من معلومات حقيقية عن الواقع الذي نعيشه وتفاعلاته، والمكون الثانى هو اتخاذ موقف من المعرفة المتوفرة سواء كان إيجابيا أو سلبيا، والمكون الثالث هو السلوك الذي يتخذ بناءً على المعرفة والموقف، ووفقًا لذلك فإن وعى الإنسان يمكن أن يكون إما وعيًا حقيقيًا أو وعيًا زائفًا، والوعى الحقيقي يبنى على أساس معرفى حقيقي، والوعى الزائف يتكون بناءً على معرفة زائفة. 

فإذا أردت أن تشكل وعيًا حقيقيًا في أي مجتمع فعليك أن تمد جموع المواطنين بمعارف حقيقية حول واقعهم الاجتماعى، وإذا أردت أن تشكل وعيًا زائفًا عن الواقع الاجتماعى فعليك أن تمد المواطنين بمعارف ناقصة أو غير حقيقية عن واقعهم المعاش.

وبناءً على ما تقدم نستطيع أن نحكم على العقل الجمعي لأي مجتمع ونقيس مدى وعيه من خلال سلوك جموع المواطنين، فإذا كان سلوكهم إيجابيًا لصالح مجتمعهم فهذا معناه أنهم قد تلقوا معلومات حقيقية عن واقعهم الاجتماعى مكنتهم من اتخاذ موقف صحيح تجاه قضايا وطنهم الملحة، وهو ما ينعكس في سلوكهم، وإذا كان سلوكهم سلبيا تجاه مجتمعهم فهذا معناه أنهم تلقوا معلومات غير صحيحة عن واقعهم الاجتماعى جعلتهم يتخذون موقفًا غير صحيح تجاه قضايا وطنهم وهو ما ينعكس في سلوكهم، وفى الحالة الأولى نستطيع الحكم على العقل الجمعى بأنه عقل واعٍ، أما في الحالة الثانية فيكون العقل الجمعى مغيبًا نتيجة المعرفة الزائفة التي تلقها عبر كل وسائل التنشئة الاجتماعية التي يتلقى من خلالها معارفه تجاه قضايا مجتمعه.

وفيما يتعلق بالمشهد المصري الراهن وموقف العقل الجمعى للفقراء من دعوة جماعة الإخوان للخروج في ثورة جياع يوم 11 – 11 الماضي فقد تمكن العقل الجمعى للفقراء من الانتصار على مؤامرة الإخوان ضد الوطن، على الرغم من الظروف الاقتصادية السيئة التي يمر بها هؤلاء الفقراء وازدياد معاناتهم اليومية بفعل الارتفاع الجنونى للأسعار وفشل السياسات الحكومية في كبح جماح آليات السوق والتصدى لجشع التجار ومافيا الفساد الذين يتآمرون على الوطن وخاصة طبقاته وفئاته وشرائحه الفقيرة. 

فقد اعتمد الفقراء في مقاطعاتهم للدعوات التخريبية للخروج يوم 11 – 11 على معلوماتهم ومعارفهم الحقيقية بجماعة الإخوان الإرهابية وأنهم لا يريدون من خروج الفقراء ثائرين على نظام الحكم الحالى إصلاح أحوالهم المعيشية كما يحاولون إيهامهم بذلك، بل يريدون استخدامهم من أجل العودة للسلطة مجددًا، وقد استدعى العقل الجمعى للفقراء مشهد 25 يناير حين خرجوا ثائرين على مبارك وأطاحوا به من سدة الحكم ثم صعد الإخوان الإرهابيون مكانه ولم يفعلوا شيئًا لهؤلاء الفقراء، وبناءً عليه جاء موقفهم هذه المرة على غير هوى جماعة الإخوان والذي انعكس على سلوكهم الإيجابي تجاه الوطن ومقاطعة الدعوة للخروج يوم 11 – 11.

وقد حير موقف وسلوك الفقراء كثيرًا من المحللين والمتابعين للدعوة سواء بالداخل أو بالخارج، لكننا كنا نتوقع هذا الموقف والسلوك من الفقراء والكادحين والمهمشين من شعب مصر بناءً على قراءة متعمقة للعقل الجمعى للفقراء، فقد استوعب الفقراء اللعبة جيدًا، وأدركوا أن هناك صراعًا على السلطة بين فريقين الأول هم جماعة مبارك الفاسدة التي تسيطر الآن على المشهد المصري برمته، وجماعة الإخوان الإرهابية التي ترغب في الإطاحة بجماعة مبارك لتستقر مكانها، لذلك لم يستجب الفقراء لدعوة الجماعة الإرهابية رغم معاناتهم الشديدة من سياسات الإفقار التي تمارسها عليهم جماعة مبارك لأنهم يعوا جيدًا أن هذه الجماعة الإرهابية لا تبغى إلا مصلحتها الشخصية، لذلك على جماعة مبارك الفاسدة أن تدرك أن عدم خروج الفقراء ليس رضاء عن سياساتهم ولكن حبًا في وطنهم ووعيًا بالمؤامرات التي تحاك ضده، وثورة الجياع قادمة لا محالة على سياسات جماعة مبارك لكنها لم ولن تتحالف مع جماعة الإخوان الإرهابية.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية