ترامب والصراع الأمريكي الداخلي
لعل خطبة جون كيندي الأخيرة التي أشار فيها لتحكم جماعات سرية بمصير الشعب الأمريكي الحر هي السبب في اغتياله واليوم هل اصطدم ترامب بهذه القوى... الاحتمال الآخر أنه سيناريو لتعديل المسار السياسي، ولكن حسب مخطط معد سابقا من هذه القوى!
هذه القوى هي من تمتلك اقتصاد أمريكا وتحكم سياساتها وعلى سبيل المثال هي من تمتلك البنك الفيدرالي (المركزي) وهي من تستطيع طباعة الدولار بل وتتحكم في قيمته في سابقة فريدة لعدم امتلاك الدولة الأمريكية زمام الأمور نحو الاقتصاد الأمريكي على عكس المتعارف عليه.
ما يثير التساؤل نحو الاستقرار الأمريكي هو عدم إعلان حملة هيلاري فور إعلان النتيجة احترامها للديمقراطية وولائها للرئيس الجديد في سابقة مختلفة عن تقاليد الانتخابات الأمريكية، ويظهر جليا تمرد القوى التي تحكم الإعلام ضد فوز ترامب (٩٦٪ من الإعلام ضد ترامب) ولعل رسائل مايكل مور (المخرج الحائز على جائزة الأوسكار والمفكر السياسي) التي تنبأت بفوز ترامب بناء على غضب الناخب الأمريكي ورفضه للوضع القائم.. ورغم ذلك دعا إلى ما يسمى عصيان مدني شامل ومظاهرات ضد ترامب وعدم تقبله هزيمة هيلاري رغم أنه يدرك نزاهة الانتخابات وتحليل الرأي العام ضد هيلاري خاصة في ظل مخاطبة ترامب للرجل الأبيض الذي يشعر بتغير هوية أمريكا وللعمال في مصانعهم أيضا رفض الشعب الأمريكي لسياسات هيلاري ودلل على توقعه مسبقا بأن الأمريكيين انتخبوا جيس فنتورا المصارع المحترف حاكما لولاية مينسوتا كنوع من التمرد ضد السياسة العامة.
إذا كان فوز ترامب طبقا لمخطط محكم للتملص من وعود وسياسات سابقة فإن بعض المفكرين المؤسسين لاستراتيجية الدولة يغسلون أيديهم من فوز ترامب في إشارة لما قد يحدث من أزمات خلال هذه الفترة وقد تكون أزمات مفتعلة.
معركة الهوية.. هي نقطة أخيرة تجاهلها مايكل مور ولم يحللها بدقة وهي الأهم، حيث إن كبار السن والولايات الجنوبية المحافظة ضد التحرر انتخبوا ترامب تحديا لسياسات هيلاري (المسماة بالليبرالية) من الإجهاض وزواج المثليين والمهاجرين مما غير هوية أمريكا، بينما كانت أصوات الشباب لهيلاري المنادين بالتحرر ولا ننكر أن موجة التحرر الأمريكية غزت العالم عن طريق أفلام هوليود والإعلام من خلال العولمة وأصبحت المعركة اليوم بين المحافظين والتحرريين ولا نغفل هنا نقد الأم تريزا لهيلاري علنا بسبب تشريعات الإجهاض التي اعتبرتها الأم تريزا قتلا.
البريد الإلكتروني لهيلاري قد يكون القضية الشائكة وهو ما دفع ترامب لتهديدها بسجنها لدعمها داعش وأيضا دعمها للإخوان المسلمين على حساب مصر وقد يتورط في التحقيقات قيادات مخابراتية أمريكية.. أيضا مصادر تمويل حملة هيلاري ووعود رد التبرعات بخدمات أثارت الشبهات نحو رأس المال السياسي القذر ومن خلفه.. فهل سيسمحون بذلك؟!
ورغم كل شيء فمن الصعب أن ينقلب الأمريكيون المعارضون لترامب ضد تقاليد الديمقراطية الأمريكية، ولكن أتوقع تتحالف القوى التي تحكم أمريكا ومنها الإعلام نحو صناعة أزمات على المدى القصير.. أعتقد أنه حتى لو كان ذلك واقعا فإن الداخل الأمريكي سيحتاج لسنوات لترتيب الأوراق في صراع بين القيم الكلاسيكية والتحرر بعد سنوات من تقاليد وقوانين متحررة يعتبرها البعض جزءا من المكتسبات الأمريكية وهذا الصراع إذا كان ترامب جديا فيما أعلنه نحو ناخبيه مسبقا فلن ينتهي بسهولة ضد فئات لها ثقل سياسي.
إن فرصة مصر التاريخية نحو المستجدات السياسية في السياسة الأمريكية نحو الشرق الأوسط تعتبر فرصة مثالية نحو بناء الداخل بعد انتهاء أسطورة داعش ودعم الإخوان المسلمين من خلال تحالفهم مع إدارة أوباما ثم تخفيف الحرب الاقتصادية ضد مصر وظهر ذلك فور فوز ترامب عندما أعلنت ستاندرد أند بوز رفع مستوى تصنيف مصر الائتماني كإشارة نحو تغيير السياسات.