رئيس التحرير
عصام كامل

كلام تاني في «الشعبوية»!


لما تزداد الشعبوية، تتزايد ثقة العامة في قدراتهم، وفى أفكارهم بصرف النظر عن قدراتهم، وبغض النظر عن مؤهلاتهم. أكثر مساوئ المجتمعات الشعبوية، هي ثقة العوام في قدرتها على المشاركة السياسية، وهى الثقة التي تزداد في غياب الحاكم الحازم.


سقوط الرمز، أو المقدس، في يناير 2011، قطع الطريق فترة أمام أي حاكم "حازم". عصام شرف جاء، كما تذكر"من ميدان التحرير" وبناء على مطالب جماهير "التحرير". من المساوئ الواضحة للشعبوية كان ظن المجتمع وقتها أن عصام شرف رئيس وزراء ديمقراطى، وأن من مفاهيم الديموقراطية أن يأتى الحكام والتنفيذين من"الميادين".

والنتيجة أننا نعانى للآن، من ميراث سياسات عصام شرف، وسياسات عصام شرف. نعانى لليوم مثلا من مطالب غير مبررة لزيادة في المرتبات، استجاب لها عصام شرف وقتها. ظن المجتمع، كما ظن عصام شرف نفسه وقتها، أن الديموقراطية، أن يحقق الحاكم ما أريد..دون أن افعل ما يجب أن افعل.

لذلك توالت المصايب، وزادت البلاوى.
لاحظ أنه مثلما جاء عصام شرف من الميدان، فقد رحل بالتظاهرات ضده في الميادين أيضا. المعنى، أنه لا جلال للحاكم الديموقراطي في مجتمعاتنا، حتى ولو على طريقة "ديموقراطية عصام شرف".

من تجارب الماضى القريب، أن الحرية في الانظمة الشعبوية، غالبا ما تتحول إلى مرادف لأكبر قدر ممكن من مصالح ومكاسب بالنسبة لي كمواطن. لو لم أستطع التحصل "كثائر" على كل ما أرغب فيه من مكاسب.. فإنها في ذلك الوقت تنطلق شعارات "الحرية.. والعدالة الاجتماعية".. وسرعان ما تتحول إلى مطالبات بإسقاط النظام !

هذا ما حدث.. ونتائجه مستمرة للآن.
كل ركن في الدولة يبدو الآن "سايب".. بلا صاحب. أو بلا "شخص ملو هدومه". فترة من الفترات ساهمت الدولة في ترسيخ "الشعبوية" في الشارع، فاختارت القيادات "التوافقية" التي لا تثير مشكلات، ولا تشعل تظاهرات.

تصورات الشارع في أنه قادر على حكم نفسه بنفسه، كانت سببا بعد فترة، في أنه لم يعد لدى المواطن العادى احساس بأن في البلد "حكومة". لاحظ أن الحكومة، مرادف "تراثى" للسلطة القادرة.. النافذة.

ما الحل الأمثل للشعبوية التي دخلناها، بارجلنا في يناير 2011.. ولم نخرج منها حتى الآن ؟
الحل في حاكم قوى..حازم.. مهابا.. عالم بالأمور. حاكم سلطوى يختار إلى جواره، من يفهم ويعى ويستطيع التنفيذ.. حتى لو كان يوسف بطرس غالى، وزير المالية الأسبق.. أو اللواء حبيب العادلى.

الحل الوحيد للخروج من "زمن الشعوبية" هو حاكم سلطوي. حاكم أبوي يعود بنا لعصر "المقدس". حاكم يغض النظر عن المناداة بالحريات من على قهاوى وسط البلد، ولا يعمل حساب مثقفى الندوات في الأحزاب، ولا يهتم بمرتادى الفضائيات.

الحكام السلطوى، هو الحل لرد مجتمعاتنا لصوابها. نريد حاكما مهابًا لا ديموقراطيا. للديموقراطية أنياب في مجتمعاتنا. مجتمعاتنا ليست منظمة. أو لم تعتاد النظام السياسي المؤسس على الحريات في أقصى درجاتها. ليست هذه نقيصة، بقدر ما هي طبيعة تكوين بنيوي اجتماعى.

في علم الاجتماع السياسي المجتمعات لها دورات مراهقة ثم شباب ثم كهولة واعية. ينقصنا مراحل تاريخية ودورات اجتماعية عديدة، حتى نصل لعصر "القدرة على الحرية" وتقبل الحاكم الديمقراطى.

حرية المجتمع قدرة، وليست مجرد فكرة في دماغ حمدين صباحي.. ولا هي مجرد تنظير لواحد مثل، الدكتور علاء الأسواني!
wtoughan@hotmail.com
twitter: @wtoughan
الجريدة الرسمية