رئيس التحرير
عصام كامل

كوريا الشمالية خطر لا يستهان به


الأزمة الكورية الشمالية مدعاة قلق. وتميل بيونج يانج إلى امتحان كل رئيس كورى جنوبى جديد وكأنها تجس نبضه. وقبل شهرين، فى شباط (فبراير)، انتخبت كوريا الجنوبية رئيسة جديدة. ومنذ 1992، درج الشمال على الترحيب بالرؤساء الجدد الذين آلت إليهم السلطة (وعددهم خمسة)، بدق طبول الحرب وزعزعة الاستقرار، سواء أطلق صاروخاً أو توغلت غواصاته فى مياه الجنوب أو اشتبكت قواته البحرية مع نظيرها الجنوبي. ولطالما وقف الرؤساء فى سيول، عاصمة الجنوب، موقف المتفرج، والتزموا الصبر.


ولكن، على خلاف الأمس، لا يبدو أن سيول ستدير الخد الأيسر بعد اليوم للشمال. فإثر تدمير بيونج يانج سفينة كورية جنوبية ومقتل 46 بحاراً فى 2010، غيرت سيول قواعد الاشتباك العسكري. فكيلها طفح، وصبرها نفد. وهى سترد رداً متكافئاً على الاستفزاز. والخطر الأبرز هو انزلاق الأمور إلى نزاع أوسع من مناوشات ضيقة الإطار.

وليس تغيير سيول قواعد الاشتباك المتغير الوحيد فى المعطيات. فبيونج يانج خطت خطوة تكنولوجية كبيرة فى كانون الأول (ديسمبر) الماضى حين أطلقت قمراً اصطناعياً إلى الفضاء.

وعلى رغم أن الأعطال أصابت القمر هذا، أفلح الشمال فى تجهيزه بتكنولوجيا توجيه الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التى تستهدف من غير شك الولايات المتحدة. فى شباط المنصرم، أجرت بيونج يانج تجربة نووية ثالثة ناجحة. وفى ولاية أوباما الثانية، قد ترتقى كوريا الشمالية ثالث دولة فى العالم، بعد روسيا والصين، توجه صاروخاً باليسيتياً «نووى الرأس» إلى الولايات المتحدة. ولم يتوانَ نظام الشمال عن بيع أنظمة السلاح التى طورها إلى إيران وباكستان .

ويغفل المراقبون حين يستخفون بتهديدات بيونج يانج أن فى وسعها تهديد كامل الأراضى الكورية الجنوبية وأجزاء من اليابان بواسطة صواريخها وترسانتها التقليديتين.

وفى مقدورها إطلاق 500 ألف ضربة على سيول فى ساعة النزاع الأولى. وأرسى حلف هذين البلدين مع أميركا قوة ردع وجهت رسالة إلى قادة الشمال مفادها: نتيجة الهجوم محسومة خـــسارة الحرب والبلد. وطوال 5 عقود، التزمت بيونج يانج «خطوط» الردع. ولكن رئيسها الجديد يافع ويفتقر إلى الخبرة وقد يقدم على خطوة متهورة.

ومضى عام على بلوغ كيم يونغ أون السلطة، ويبدو أنه لا يواجه مشكلات مع اللاعبين النافذين فى العاصمة الشمالية.

وإذا خرج كيم عن المسرح السياسى الشمالى المألوف فى العقود الستة الماضية، أى التباهى مثل الطاووس وهجاء «الأعداء» وشتمهم، وتهديد سيول بحرقها، ووجه ضربة عسكرية كبيرة إلى سيول أو أميركا، غامر بمنصبه وبسلامة بلده. والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التى يواجهها فى الداخل لا تقل خطورة عن نظيرها الخارجي. وليست الديكتاتوريات التوتاليتارية (الشمولية) فى منأى من الخلافات بين أذرع الحكم وتحالفاته والصراع على المصالح البيروقراطية التى قد يهددها أى تغير فى الوضع الراسخ و «المستتب». فعلى سبيل المثل، قد تبعث الإصلاحات الاقتصادية النمو، ولكنها قد تبث الفوضى فى الأسواق وتضعف مصالح النافذين فى الطبقة البيروقراطية الكبيرة، وتعد الناس بالتغيير فتطلق عنان الأمل بمستقبل افضل وترفع مستوى التوقعات.

ويقال إن فقر كوريا الشمالية هو ثمرة العقوبات. ولكن هذا بعيد من الواقع ويجافى الصواب. فالعقوبات الأميركية والدولية موجهة، وهى تستهدف النخب، أى أصحاب اليخوت وساعات الروليكس، والشركات الضالعة بالبرنامج النووي. والأوضاع الاقتصادية المتدهورة فى البلاد مردها إلى 5 قرارات سيئة أو عجاف. فإثر الحرب الكورية، بادر جد كيم، الرئيس كيم ايل سونغ، الى توجيه الاقتصاد نحو الصناعة الثقيلة والقطاع العسكرى معولاً على الاكتفاء الزراعى الذاتي. ولكن مساحة الاراضى الزراعية فى الشمال لا تزيد عن 20 فى المئة. ومحاصيلها لا تكفى لاكتفاء ذاتي. والخطأ الثانى هو إهمال مشاريع تحديث تكنولوجى مثل الثورة الخضراء التى ساهمت فى زيادة الانتاج الزراعى فى الهند فى الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

فهو اختار عوض المشاريع المجزية إطالة ساعات العمل والنفخ فى الحماسة الثورية. والخطأ الثالث هو مراكمة الديون الخارجية مع الدول الاوروبية فى السبعينات وعجزت عن سدادها. فخسرت صدقيتها فى المؤسسات المالية الدولية. ورابعاً، الإسراف فى الإنفاق على مشاريع ضخمة مثل بناء المدرجات وإنشاء سدود مائية لم تنجز كاملة أو لم تحقق الهدف المرجو منها. وخامساً، اعتماد بيونج يانج على المساعدة الانسانية مصدر دخل يتيماً، إثر انقطاع الدعم السوفياتى والصيني.

• نقلاً عن فورين بوليسي

الجريدة الرسمية