رئيس التحرير
عصام كامل

د. سعد الهلالي.. لست وحدك!


كان بمقدور علماء الأزهر الذين شنوا هجومًا شديدًا على زميلهم الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون، استنادًا إلى «فرية» أنه أدلى بتصريحات ينكر فيها الحجاب، أن يراجعوا تلك التصريحات، قبل الهرولة لإدانة الرجل على فعل لم يرتكبه.. ولا يتورعون عن اغتياله معنويًا.


ولكن الغرض مُرضٍ كما يقال؛ ولأن الرجل كان يسبب لهم صداعًا مزمنًا، منذ أعلن منهجه الذي يستند إلى احترام العقل، في قراءة الاجتهادات البشرية التي قدمها السلف، وأن يضع الآراء المتخاصمة والمتصالحة أمام المواطنين؛ ليتفقوا أو يختلفوا حولها بينما غيره من العلماء يتبعون مناهج أخرى تتعامل مع تلك الاجتهادات البشرية، وكأنها مقدسة لا تقبل الاختلاف، ولا يتورعون عن اتهام كل من يجرؤ على مناقشتها بأنه يهدم التراث، ويصدرون أحكامهم القاطعة بخروجهم عن إجماع العلماء وعن صحيح الدين، ما قد يغري بعض الجهلاء بالاعتداء عليهم، وهم يعتقدون أنهم يدافعون عن الدين، كما حدث من قبل من اعتداء على صاحب نوبل نجيب محفوظ من جانب شاب لم يقرأ الأسطر من مؤلفاته وسبقه اغتيال الدكتور فرج فودة.. وتكفير الدكتور حامد أبوزيد والقائمة تطول.

والذين تابعوا الحوار الذي أجري مع الدكتور سعد الدين الهلالي، عبر أحد البرامج التليفزيونية، يدركون أن الرجل لم ينكر الحجاب إنما قدم الآراء الفقهية التي قدمها السلف، وليس لها دخل بالقرآن أو السنة، إنما اجتهادات بشرية تقبل النقاش، إيمانًا منه بأن من حق المواطن أن يسمع الرأي، والرأي الآخر، ثم يفكر ويختار، وهو المنهج الذي التزم به العالم الفاضل منذ زمن بعيد، فهو يرفض الكهنوت.. كما يرفض الوصاية الدينية على عقول البشر، ويرى أنه لا يوجد في الإسلام وسطاء بين الله والمسلمين.

ما أوغل ضده صدور بعض العلماء الذين يعتمدون منهجًا مضادًا «النقل لا العقل» وطالما اعترضوا على أسلوب الرجل في الدفاع عن المنهج العلمي الذي يتبعه، ولكن الأمر لم يبلغ حد اتهامه بأنه «مضلل» كما حدث في بيان إلى الأمة الذي أصـدره مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، للتحذير من أن الإسلام والأزهر يتعرضان لحملة شرسة مغرضة، تشارك فيها انتماءات مختلفة، بين عالم يلتوي بعلمه، ويجتزئ بعض الآراء الفقهية والفتاوي المضللة التي تسقط الواجبات الشرعية، كإنكار الأمر بالحجاب الذي أجمعت عليه الأمة قديمًا وحديثًا، ويكشف البيان عن الخلاف عميق الجذور بين منهج الهلالي في رفض وصاية البعض باسم الدين على عقول البشر، والمنهج الآخر المخالف تمامًا.

دعا البيان الذي أصدره مجمع البحوث الإسلامية الناس إلى أن يستقوا المعلومات من مصادرها الصحيحة، وأن يراجعوا ما يرد إليهم مما يتعلق بأمور الدين مراجعة دقيقة من علماء الأزهر ممن يوثق بعلمهم، ويخشون ربهم، ويتحملون مسئولية تبليغ شرع الله، دون التواء أو انحراف عن صحيح الدين.

هذا هو جوهر الخلاف بين منهج الهلالي والمناهج الأخرى التي ترى أن أمور الدين تقتصر عليهم وحدهم، حتى لو كان من يعارضهم ينتمي إلى مؤسسة الأزهر.

ولم يتوخ الدكتور عباس شومان الحذر، ويشارك في الحملة على الرجل دون أن يبحث عن الحقيقة، ويسعى للحصول عليها من مصادرها بليقول «إذا كان قد قال بهذا فهذه طامة كبرى، إذ يعد خروجًا على إجماع المسلمين».

ومن اللافت للنظر أن الحملة الشرسة الموجهة من بعض العلماء لم تستهدف الدكتور الهلالي وحده، وإنما امتدت لتشمل بعض المثقفين الذين يطالبون بتجديد الخطاب الديني الذي أعلن الدكتور محمود مهنا، عضو هيئة كبار العلماء، أن الأزهر هو المعني بتجديده، وقال: لا مكان للمثقفين الملحدين في مناقشات تجديد الخطاب الديني، ونرفض شخصيات مثل جابر عصفور.. الذي يرغب في حذف آيات القرآن.. وكذلك فاطمة ناعوت.

ورد الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأكبر، على تصريحات عضو هيئة كبار العلماء، بأنه تحريض على القتل.. ووصف الدكتور علوي أمين، أستاذ الفقه وعميد كلية الشريعة والقانون الأسبق، المثقفين الموجودين على الساحة بأن آراء بعضهم متطرفة وأقرب إلى الإلحاد.

المعركة التي يخوضها العالم المستنير سعد الدين الهلالي ليست معركته وحده، ولا يجب أن يترك وحده ليواجه تلك العواصف الهوجاء.
الجريدة الرسمية